للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} فلاهية، و {خاشِعَةً} حال ممّا من قبلهما في الإعراب، وعند التأويل يتبين لك: أنهما حالان مما بعدهما، وهذا كما في النّعت السببي في قولك: مررت برجال كريم آباؤهم، وبنسوة كريم آباؤهنّ، ف‍: «كريم» صفة لما قبله في الإعراب، وهو في الحقيقة صفة لما بعده. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)}

الشرح: {إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا} أي: رجعوا إلى الإيمان، وتابوا توبة نصوحا. {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} أي: من بعد ارتدادهم عن الإسلام. وذلك: أن الحارث بن سويد الأنصاري لمّا لحق بالكفار؛ ندم على ذلك، فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل لي من توبة؟! ففعلوا، فأنزل الله الآية، فبعث بها إليه أخوه الجلاس مع رجل من قومه، فأقبل إلى المدينة تائبا، وقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم توبته، وحسن إسلامه. {وَأَصْلَحُوا} أي: ضمّوا إلى التوبة الأعمال الصالحات. وهذا دليل على أنّ التوبة إذا لم تتبع بالعمل الصالح؛ فلا قيمة لها. قال تعالى في سورة (طه): {وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى}.

قال سليمان الجمل-رحمه الله تعالى-: وهذا مشروع بيان تقسيم الكفار إلى ثلاثة أقسام:

قسم تاب توبة صحيحة، فنفعته توبته، كما هنا. وقسم تاب توبة فاسدة، فلم تنفعه، كما في الآية التالية. وقسم لم يتب أصلا، كما يأتي في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفّارٌ..}. إلخ.

الإعراب: {إِلاَّ:} أداة استثناء. {الَّذِينَ:} اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب على الاستثناء من واو الجماعة في الآية السابقة. {تابُوا:} فعل ماض، والواو فاعله، والألف للتفريق. والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها. {مِنْ بَعْدِ} متعلقان بما قبلهما، و {بَعْدِ} مضاف، و {ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محلّ له، وجملة: {وَأَصْلَحُوا} مع المفعول المحذوف معطوفة على ما قبلها، لا محلّ لها مثلها. {فَإِنَّ:} الفاء: حرف عطف، وتفريع. (إنّ): حرف مشبه بالفعل.

{اللهَ:} اسمها. {غَفُورٌ رَحِيمٌ} خبران ل‍ (إنّ) والجملة الاسمية مفرّعة عمّا قبلها، لا محلّ لها أيضا، وهذا الإعراب يجعل هذه الجملة لا ارتباط لها بما قبلها. والأولى اعتبار الموصول مبتدأ، والجملة الاسمية: {فَإِنَّ..}. إلخ في محل رفع خبره، ودخلت الفاء في الخبر؛ لأن الموصول يشبه الشرط في العموم. ومضمون الجملة الاسمية: {إِلاَّ الَّذِينَ..}. إلخ في محل نصب مستثنى من مضمون الكلام السابق. والاستثناء متصل، أو منقطع حسبما رأيت في الشرح، ومثل هذه الآية في الإعراب الآية رقم [١٦٠] من سورة (البقرة) والآية [٦٠] من سورة (مريم) على نبينا، وحبيبنا، وعليها، وعلى ولدها ألف صلاة، وألف سلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>