للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الضم في محل نصب بأداة النداء المحذوفة والهاء حرف تنبيه لا محل له، أقحم للتوكيد، وهو عوض من المضاف إليه. {الثَّقَلانِ:} نعت ل‍: (أيّ) أو بدل منه مرفوع تبعا للفظ (أيّ) وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة؛ لأنه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الندائية مستأنفة مثل التي قبلها.

{يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اِسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤)}

الشرح: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ..}. إلخ: أي: إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السموات، والأرض هاربين من الله، فارين من قضائه، وتخرجوا من ملكه؛ فافعلوا، وقدم الجن على الإنس في هذه الاية؛ لأنهم أقدر على النفوذ، والهرب من الإنس، وأقوى على ذلك، فعلى هذا يكون في الدنيا. وذكر ابن المبارك؛ قال: وأخبرنا جويبر عن الضحاك؛ قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا، فتشققت بأهلها، فتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الرب، فينزلون إلى الأرض، فيحيطون بالأرض ومن فيها، ثم يأمر الله السماء التي تليها كذلك، فينزلون صفا من خلف ذلك الصف، ثم السماء الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فينزل الملك الأعلى في بهائه، وملكه، ومجنبته اليسرى جهنم، فيسمعون زفيرها، وشهيقها، فلا يأتون قطرا من أقطارها إلا وجدوا صفوفا من الملائكة، فذلك قوله تعالى: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ..}. إلخ فعلى هذا يكون في الاخرة. انتهى. قرطبي.

أقول: ويؤيده قوله تعالى في سورة (الفجر) الاية رقم [٢٢]: {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} وعلى القول الأول فهو مثل قوله تعالى في سورة (العنكبوت) الاية رقم [٢٢]: {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ} الاية رقم [٢٢] ويؤيد الأول الايات التالية. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: المعنى إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات وما في الأرض؛ فاعلموه، ولن تعلموه إلا بسلطان؛ أي: ببينة من الله تعالى نصبها لكم، فتعرجون عليها بأفكاركم، وعقولكم.

{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ} أي: من التنبيه، والتحذير، والمساهلة، والعفو مع كمال القدرة، أو مما نصب من المصاعد العقلية، والمعارج النقلية، فتنفذون بها إلى ما فوق السموات العلى.

انتهى. بيضاوي. أقول: والذي رفع السموات، وبسط الأرضين بقدرته ما جاب الناس الفضاء في هذه الأيام إلا بهداية الله لهم، وتعليمه إياهم.

بعد هذا ف‍: (معشر) اسم جمع لا واحد له من لفظه مثل: رهط، ونفر، وأهل... إلخ.

وقال الزمخشري: إن كل ما فاؤه نون وعينه فاء يدل على معنى الخروج، والذهاب، مثل: نفق، ونفذ، ونفخ... إلخ، وانظر شرح (سلطان) في الاية رقم [٣٨] من الذاريات.

<<  <  ج: ص:  >  >>