أقول وبالله التوفيق: إن اللام واقعة في جواب القسم بسبب العطف حتما لا شك فيه، وذلك؛ لأن الفعل المضارع يجب توكيده إذا كان جوابا لقسم غير مفصول من لامه بفاصل، وكان مثبتا مستقبلا، نحو قوله تعالى:{وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ} الآية رقم [٥٧] من سورة (الأنبياء)، ويمتنع تأكيده إذا كان جوابا لقسم، ولم تتوفر فيه الشروط المذكورة، نحو قوله تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} المانع من توكيد الفعل (يعطي) بنون التوكيد الفصل بينه، وبين اللام ب:(سوف) انظر كتاب قواعد اللغة العربية بشرحنا، وتحقيقنا:(الباب الثامن من المؤكد وغيره) والله ولي التوفيق.
الشرح:{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً:} صغيرا، ضعيفا، عاجزا عن العمل. {فَآوى} أي: ضمك إلى عمك أبي طالب، وذلك أن أبا النبي توفي، وهو في بطن أمه، ثم توفيت أمه، وهو ابن ست سنين، ثم توفي جده وهو ابن ثمان سنين، فكفله بعد ذلك عمه أبو طالب، فأحسن كفالته، واعتنى به أشد الاعتناء إلى أن قوي عوده، واشتد، وتزوج خديجة-رضي الله عنها-، وكان أبو طالب على دينه حتى مات، ولم يسلم، ومع ذلك كان يدفع الأذى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ويبذل جهده في ذلك، وكل هذا من حفظ الله للنبي صلّى الله عليه وسلّم وكلاءته له، وعنايته به.
{وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى} أي: ووجدك تائها عن معرفة الشريعة والدين، فهداك الله إليها، كقوله تعالى في سورة (الشورى) رقم [٥٢]: {وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ}. وعليه: فالضلال مستعار من: ضل في طريقه: إذا سلك طريقا غير موصلة لمقصده لعدم ما يوصله للعلوم النافعة. قال الإمام الجلال: أي: وجدك ضالا عما أنت عليه الآن من الشريعة، فهداك إليها. وقيل: ضل في بعض شعاب مكة، وهو صغير فرده الله إلى جده. قال أبو حيان: لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى؛ لأن الأنبياء معصومون من ذلك.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضل في شعاب مكة، وهو صبي صغير، فرآه أبو جهل الخبيث منصرفا من أغنامه، فرده إلى جده عبد المطلب، وهذا كان لما قضت حليمة رحمها الله تعالى حق الرضاع، فجاءت برسول الله صلّى الله عليه وسلّم لترده على جده عبد المطلب، فسمعت عند باب مكة: هنيئا لك يا بطحاء مكة، اليوم يرد الله إليك النور، والبهاء، والجمال.
قالت: فوضعته لأصلح شأني، فسمعت هدّة شديدة، فالتفت، فلم أره، فقلت: يا معشر الناس! أين الصبي؟! فقالوا: لم نر شيئا، فصاحت: وا محمداه! فخرج كثير من أهل مكة يبحثون عنه صلّى الله عليه وسلّم، فكان أبو جهل الخبيث هو الذي لقي النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجاء به إلى عبد المطلب. وقال له: ألا