للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)}

الشرح: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ:} فيه أربع قراءات بتخفيف الدال، ورفع {إِبْلِيسُ،} ونصب {ظَنَّهُ،} وقرئ كذلك مع تشديد الدال، وقرئ بتخفيف الدال، ونصب {إِبْلِيسُ،} ورفع «(ظنّه)»، وقرئ بتخفيف الدال ورفع: {إِبْلِيسُ} و «(ظنّه)»، على أن يكون: «(ظنّه)» بدلا من {إِبْلِيسُ} بدل الاشتمال. ثم قيل: إن هذا في أهل سبأ خاصة؛ أي: كفروا، وغيروا، وبدلوا بعد أن كانوا مسلمين، إلا قوما منهم آمنوا برسلهم. وقيل: هذا عام في بني آدم قاطبة؛ أي: صدق إبليس ظنه على الناس كلهم إلا من أطاع الله تعالى، وذلك ما نطق به اللعين حين أبى أن يسجد لآدم، حيث قال: {قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ..}. إلخ الآية رقم [١٦] من سورة (الأعراف) وما بعدها، وقال: {قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ..}. إلخ الآية رقم [٣٩] من سورة (الحجر) وما بعدها. وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} الآية رقم [٨٢] من سورة (ص) والآية التي بعدها. وقال: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً..}. إلخ الآية رقم [١١٨] من سورة (النساء).

وقيل: إنه ظن ذلك عند إخبار الله تعالى الملائكة: أنه يجعل فيها من يفسد، ويسفك الدماء، أو سمع من الملائكة ذلك، حيث قالوا ذلك حينما أخبرهم ربهم بقوله: {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}. {إِلاّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وهؤلاء هم المؤمنون الذين لم يتبعوه، أو المعنى: إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه في العصيان وهم المخلصون، وهذا يعني: أن المراد بعض المؤمنين؛ لأن كثيرا من المؤمنين من يذنب، وينقاد لإبليس في بعض المعاصي.

هذا؛ و {إِبْلِيسُ:} اسم مأخوذ من: أبلس، يبلس؛ إبلاسا، بمعنى: سكت غما، وأيس من رحمة الله، وخاب، وخسر. وهو من الملائكة؛ كذا قال علي، وابن عباس، وابن مسعود -رضي الله عنهم أجمعين-. ولأن الأصل في الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه، ولهذا قال الله تعالى: {قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ،} وقال تعالى: {كانَ مِنَ الْجِنِّ،} وقال:

{فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} أي صار من المغرقين. وقيل: الاستثناء منقطع؛ لأنه لم يكن من الملائكة؛ بل كان من الجن بالنص، وهو قول الحسن وقتادة، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، ولأنه أبى وعصى، واستكبر، والملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، ولا يستكبرون عن عبادته، ولأنه قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} ولا نسل للملائكة. وعن الجاحظ: إن الجن، والملائكة جنس واحد، فمن طهر منهم؛ فهو ملك، ومن خبث منهم؛ فهو شيطان، ومن كان بين بين؛ فهو جني. انتهى. وقول الجاحظ مردود بما قاله الحسن، وقتادة، -رضي الله عنهما-.

<<  <  ج: ص:  >  >>