النّارَ: أدخلهم فيها، ذكره بلفظ الماضي لتحقيق وقوعه، وقيل: بل هو ماض على حقيقته، وهذا قد وقع وانفصل، وذلك: أنه أوردهم في الدنيا النار، قال تعالى:{النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ،} ونزل النار منزلة الماء، فسمى إتيانها موردا على سبيل الاستعارة التصريحية، وقيل: استعارة مكنية تهكمية للضد، وهو الماء، وإثبات الورد لها تخييل، ومثل الآية الكريمة قول الشاعر:[الطويل]
تعزّ فلا إلفين بالعيش متّعا... ولكن لورّاد المنون تتابع
{وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} أي: المورد الذي وردوه، فإن المورد يراد لتبريد الأكباد وتسكين العطش، والنار بالضد، هذا؛ والمورد: المنهل من الماء، والمورود الماء الذي يورد والموضع الذي يورد، وهو بمعنى المفعول، والأول بمعنى المصدر، فاستعير للنار كما في الذي قبله، ومن يرد على الماء يقال له: وارد، وجمعه واردون ووراد، قال الشاعر:[البسيط]
ردوا فو الله لازدناكمو أبدا... ما دام في مائنا ورد لورّاد
{الْقِيامَةِ}: أصلها: القوامة؛ لأنها من قام يقوم، قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة، سميت القيامة بذلك لقيام الناس في ذلك اليوم من قبورهم، وانظر شرح {وَبِئْسَ} في الآية رقم [٤١] من سورة (الأنفال)؛ فإنه جيد، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{يَقْدُمُ}: مضارع، وفاعله يعود إلى فرعون. {قَوْمَهُ}: مفعول به، والهاء في محل جر بالإضافة. {يَوْمَ}: ظرف زمان متعلق بالفعل قبله، و {يَوْمَ}: مضاف، و {الْقِيامَةِ}:
مضاف إليه، وجملة:{يَقْدُمُ..}. إلخ تعليل للنفي المذكور في الآية السابقة. (أوردهم): ماض ومفعوله، وفاعله يعود إلى فرعون، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها. {النّارَ}: تنازعه كل من الفعلين السابقين، فأعمل الثاني على مذهب البصريين، ولو أعمل الأول على مذهب الكوفيين، لكان الكلام كما يلي:(يقدم قومه إلى النار... فأوردهم إياها) فأعمل الثاني، وحذف من الأول اكتفاء به، وصح عطف الجملة الثانية؛ لأنها بمعنى المستقبل كما رأيت.
الشرح:{وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ} أي: الدنيا. {لَعْنَةً}: بعدا وطردا من رحمة الله، وانظر الآية رقم [٤٤] من سورة (الأعراف). {وَيَوْمَ الْقِيامَةِ} أي: ولعنة في يوم القيامة، فحذف لدلالة الأول عليه. {الرِّفْدُ}: بكسر الراء العطاء والجود، وهو بفتح الراء: القدح الضخم الذي يقدم فيه الشراب، قال الأعشى:[الخفيف]