(كان)، وجملة:{كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ} لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله، والكلام:{فَأْتِ..}. إلخ في محل نصب مقول القول، وجملة:{قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
الشرح:{فَأَلْقى عَصاهُ:} فطرح موسى عصاه على الأرض. {فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ:} الثعبان:
ذكر الحيّات العظيم الضخم، ويجمع على: ثعابين. وفي آية أخرى:{كَأَنَّها جَانٌّ} والجان: الحية الصغيرة، ووجه الجمع: أنها كانت في العظام كالثعبان العظيم، وفي خفة الحركة كالحية الصغيرة، وهي الجانّ. {مُبِينٌ:} ظاهر واضح لمن يراه، ليس بتمويه وتخييل، كما تفعل السحرة. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لما ألقى موسى عصاه؛ صارت حية عظيمة، صفراء شقراء، فاتحة فمها، بين لحييها ثمانون ذراعا، وارتفعت من الأرض بقدر ميل، وقامت على ذنبها، واضعة لحيها الأسفل في الأرض، والأعلى على سور القصر، وتوجهت نحو فرعون لتأخذه، فوثب هاربا، وأحدث-أي: تغوط-في ثيابه بحضرة قومه في ذلك اليوم مرات عديدة، واستمرّ معه هذا المرض، وهو الإسهال؛ حتى غرق، وقد انهزم الناس خوفا مزدحمين، وقتل بعضهم بعضا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفا، ودخل فرعون قصره، وصاح: يا موسى! أنشدك بالذي أرسلك أن تأخذها، وأنا أومن بك، وأرسل معك بني إسرائيل، فأمسكها بيده، فعادت عصا، كما كانت. انتهى. خازن. وغيره في سورة (الأعراف). وهذه إحدى المعجزات، وانظر الآية رقم [١٢] من سورة (النمل).
هذا؛ والعصا كانت من آس الجنة، طولها عشرة أذرع على طول موسى، ولها شعبتان تتقدان في الظلمة نورا، حملها آدم معه من الجنة، فتوارثها الأنبياء؛ حتى وصلت إلى شعيب، عليه السّلام، فأعطاها لموسى حين لجأ إليه، وزوّجه إحدى ابنتيه، وأسند إليه رعاية الغنم، كما ستقف عليه في سورة (القصص) إن شاء الله تعالى.
هذا؛ والعصا تطلق على أمور، يقال: ألقى عصاه، أي: أقام، وترك الأسفار، وهو مثل عربي، ويقال: انشقت العصا، أي: وقع الخلاف بين القوم، قال الشاعر:[الطويل]
إذا كانت الهيجاء، وانشقّت العصا... فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد
وهذا هو الشاهد [٩٦٧] من كتابنا فتح القريب المجيب، انظر إعرابه فإنه جيد، ويقال في الخوارج: قد شقوا عصا المسلمين، أي: اجتماعهم، وائتلافهم. والعصيان: ضد الطاعة، وتجمع العصا على: عصيّ بضم العين وكسرها، وتشديد الياء، كما في الآية رقم [٤٤] الآتية،