للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)}

الشرح: {ذَرْنِي:} اتركني، ودعني، وهي كلمة وعيد، وتهديد. {وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} أي:

خلقته في بطن أمه، وأبرزته إلى الوجود وحيدا، لا مال له، ولا ولد، ثم أعطيته بعد ذلك ما أعطيته من النعم. وأجمع المفسرون على أنه الوليد بن المغيرة المخزومي، وإنما خصّ بالذكر؛ وإن كان الناس خلقوا مثله؛ لاختصاصه بكفر النعمة، وكثرة إيذائه للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكان يسمى الوحيد في قومه، وريحانة قريش، وهو الذي قالوا فيه كما حكى الله عنهم في سورة (الزخرف) رقم [٣١]: {وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} وقال قوم: إن قوله تعالى:

{وَحِيداً} يرجع إلى الرب جل وعلا على معنيين: أحدهما: ذرني وحدي معه؛ فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم. والثاني: أني انفردت بخلقه، ولم يشركني فيه أحد، فأنا أهلكه، ولا أحتاج إلى ناصر في إهلاكه. وقيل: الوحيد الذي لا يعرف أبوه، وكان الوليد معروفا بأنه دعي، كما ذكرت ذلك في سورة (ن) رقم [١٣].

{وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً} أي: خولته، وأعطيته مالا ممدودا، وهو ما كان للوليد بين مكة والطائف من الإبل، ونحوها، والنعم، والجنان، والعبيد، والجواري. كذا كان ابن عباس-رضي الله عنهما-يقول. وقال مقاتل-رحمه الله تعالى-: كان له بستان لا ينقطع خيره شتاء، ولا صيفا.

{وَبَنِينَ شُهُوداً} أي: حضورا لا يغيبون عنه في تصرف يتمتع بلقائهم، لا يحتاجون إلى سفر لطلب المعاش استغناء بماله، ونعمته، ولا يحتاج أن يرسلهم في مصالحه لكثرة خدمه. أو كانوا شهودا في المحافل، والأندية لوجاهتهم، وقد كانوا عشرة، أسلم منهم ثلاثة: خالد سيف الله، وكان أسلم قبله الوليد، وهشام أسلم بعد فتح مكة، وقد زلق الزمخشري، وتبعه البيضاوي، والنسفي كعادتهما، وقال به الخازن أيضا؛ حيث ذكروا إسلام عمارة، ولم يذكروا إسلام الوليد بن الوليد، علما بأن عمارة هلك على كفره في بلاد الحبشة بعد أن بعثته قريش بصحبة عمرو بن العاص إلى النجاشي ليرد المسلمين؛ الذين هاجروا إلى الحبشة إلى كفار قريش، وقد استعمل عمرو بن العاص له مكيدة، فكانت سبب هلاكه، وعمارة المذكور كان أجمل فتيان قريش، وهو الذي قدمته قريش لأبي طالب يتبناه، ويسلم لهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فقال لهم أبو طالب:

أرأيتم ناقة تحن إلى غير فصيلها؟.

{وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً} أي: بسطت له في العيش بسطا؛ حتى أقام ببلدته مطمئنا مترفها، يرجع إلى رأيه. والتمهيد عند العرب: التوطئة، والتهيئة، ومنه: مهد الصبي. {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} أي:

مالا، وولدا، وجاها، وتمهيدا على ما أوتيه. وهو استبعاد لطمعه، أو لأنه لا مزيد على ما

<<  <  ج: ص:  >  >>