للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَيَعْلَمُ:} الواو: حرف استئناف. ({يَعْلَمُ}): فعل مضارع، والفاعل يعود إلى: {اللهُ}.

{ما:} مفعول به. {فِي السَّماواتِ:} متعلقان بمحذوف صلة: {ما}. {وَما فِي الْأَرْضِ:} معطوف على ما قبله، وإعرابه، ومحله مثله، والجملة الفعلية: {وَيَعْلَمُ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، ولم أطلع على قراءة بنصب الفعل، أو جزمه، وهو جائز عربيّة، كما رأيت شرح ذلك في الآية رقم [٢٨٤] من سورة (البقرة). {وَاللهُ:} الواو: حرف عطف. ({اللهُ}): مبتدأ. {عَلى كُلِّ:} متعلقان ب‍ {قَدِيرٌ} بعدهما، و {كُلِّ} مضاف، و {شَيْءٍ} مضاف إليه. {قَدِيرٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على الجملة الفعلية قبلها، لا محل لها مثلها.

{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (٣٠)}

الشرح: {يَوْمَ تَجِدُ..}. إلخ: يعني: يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير، أو شرّ، كما قال تعالى في سورة الكهف: {وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً} وقال جلّ ذكره في سورة (القيامة):

{يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ} فما رأى من أعماله حسنا؛ سرّه، وأفرحه، وما رآه من قبيح؛ ساءه، وأغصّه، وودّ لو أنّه تبرّأ منه، وأن يكون بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان مقرونا به في الدّنيا، وأضلّه، وأغواه، وجرّأه على فعل السّوء، كما حكى الله ذلك عنه بقوله: {يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} وبين: {مُحْضَراً} و {بَعِيداً} طباق، وهو من المحسّنات البديعية.

هذا؛ و {تَجِدُ} أصله: توجد، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها، وهما الفتحة، والكسرة، ويقال: بين الياء، والكسرة في مضارع الغائب: (يجد) قياسا على مضارع الحاضر. {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ:} يخوّفكم عقابه، وبطشه، وانتقامه، وذكرت لك مرارا: أنّه يعبّر عن الذّات بالنفس. {وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ:} فيه إشارة إلى أنّه سبحانه إنّما نهاهم عن معصيته، وحذّرهم عقابه رأفة بهم، ومراعاة لمصالحهم، فإنّه سبحانه ذو مغفرة ترجى رحمته، وذو عقاب يخشى عذابه. هذا؛ والأمد:

الغاية، وجمعه: آماد، ويقال: استولى على الأمد، أي: غلب سابقا، قال النابغة في استعطاف النّعمان بن المنذر في معلّقته البيت رقم [٢٥] [البسيط]

إلاّ لمثلك أو من أنت سابقه... سبق الجواد إذا استولى على الأمد

هذا؛ والرأفة: شدّة الرحمة، والعطف، والحنان. والله منزّه عمّا يكون في القلب، و {رَؤُفٌ} صيغة مبالغة، ومن رأفته جلّ ذكره بعباده أن جعل النعيم الدائم في الجنة جزاء على العمل المتقطع في الدنيا، ومن رأفته: أنه يقبل توبة عبده المذنب، ومن رأفته: أنّ نفس العباد، وأموالهم ملكه، ثم إن يشتري ملكه بملكه فضلا منه، ورحمة، وإحسانا. وفي الصحيح: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى امرأة من السّبي في غزوة حنين قد فرّق بينها، وبين ولدها، فجعلت كلما

<<  <  ج: ص:  >  >>