للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما في السموات والأرض، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض، والبحار، والجبال، والأنهار والمراد-والله أعلم-: أنه تعالى يعلم ما تكنّه الصدور من ولاية الكفار، وحبّهم، وموالاتهم. وبين ({تُخْفُوا}) و (تبدوا) طباق، وهو من المحسّنات البديعية.

هذا؛ وذكر الله الصدور؛ لأنّها وعاء القلوب. {وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: فيقدر على عقوبتكم، وعلى الانتقام منكم؛ إن لم تنتهوا عن موالاة الكفار؛ لأنه تعالى يتّصف بعلم ذاتي محيط بالمعلومات، وقدرة ذاتيّة تعمّ المقدورات بأسرها، فلا تجسروا على عصيانه؛ إذ ما من معصية؛ إلا وهو مطلع عليها، قادر على العقاب بها. وينبغي أن تعلم: أنّ الحبّ في الله، والبغض في الله عظيم في الإيمان. وخذ ما يلي:

فعن معاذ بن أنس-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «من أعطى لله، ومنع لله، وأحبّ لله، وأبغض لله، وأنكح لله؛ فقد استكمل إيمانه». أخرجه الإمام أحمد، والترمذي.

هذا؛ والفعل: ({يَعْلَمُ}) في هذه الآية من المعرفة، لا من العلم اليقيني، والفرق بينهما: أن المعرفة تكتفي بمفعول واحد. قال ابن مالك-رحمه الله تعالى-في ألفيته: [الرجز]

لعلم عرفان وظنّ تهمه... تعدية لواحد ملتزمه

بخلافه من العلم اليقيني، فإنّه ينصب مفعولين، أصلهما: مبتدأ، وخبر. وأيضا فالمعرفة تستدعي سبق جهل، وأن متعلّقها الذوات دون النّسب، بخلاف العلم؛ فإنّ متعلقه المعاني، والنّسب. وتفصيل ذلك: أنك إذا قلت: عرفت زيدا، فالمعنى أنّك عرفت ذاته، ولم يتجاوز مفعولا؛ لأن العلم والمعرفة تناول الشيء نفسه، ولم يقصد إلى غير ذلك. وإذا قلت: علمت زيدا فقيها، لم يكن المقصود: أنّ العلم تناول نفس زيد فحسب، وإنّما المعنى: أنّ العلم تناول كون زيد موصوفا بهذه الصّفة. هذا؛ ولا يعزب عن بالك: أنّ في {ما} بألفاظها الثلاثة تغليبا لغير العقلاء على العقلاء.

الإعراب: {قُلْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت. {إِنْ:} حرف شرط جازم.

{تُخْفُوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم، وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنّه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محلّ لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنّها جملة شرط غير ظرفي. {ما:} اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. {فِي صُدُورِكُمْ:} متعلقان بمحذوف صلة الموصول، التقدير: الذي يوجد في صدوركم. والكاف في محل جر بالإضافة. {أَوْ:} حرف عطف. {تُبْدُوهُ:} فعل مضارع معطوف على ما قبله مجزوم مثله، والواو فاعله، والهاء مفعول به. {يَعْلَمْهُ:} فعل مضارع جواب الشرط، والهاء مفعول به.

{اللهُ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنّها جملة جواب الشرط، ولم تقترن بالفاء، ولا ب‍ «إذا» الفجائية. و {إِنْ} ومدخولها في محل نصب مقول القول، وجملة: {قُلْ..}. إلخ مستأنفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>