الشرح:{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا..}. إلخ: في هذه الآية إرشاد كريم من الله تعالى، وتعليم لعباده أن يسألوا الله الذرية الصالحة، والزوجة المطيعة، والمتقية، كيف لا؟ وقد قال الله تعالى حكاية عن قول زكريا-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}. وقد دعا الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنس بن مالك بقوله:«اللهمّ أكثر ماله وولده، وبارك له فيه».
وذلك أن الإنسان إذا بورك له في ماله وولده، قرت عينه بأهله وعياله؛ حتى إذا كانت عنده زوجة صالحة مطيعة، اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة، وكانت عنده ذرية محافظون على الطاعة، معاونون له على وظائف الدين والدنيا، لم يلتفت إلى زوجة غيره، ولا إلى ولده، فقد قيل: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته، وأولاده مطيعين لله عز وجل، فيطمع أن يحلّوا معه في الجنة، فيتم سروره، وتقر عينه بذلك. هذا؛ ويقرأ «(ذريتنا)» بالإفراد، و (هب) ماضيه وهب، فتحذف الواو من مضارعه وأمره، مثل وعد، يعد، عد. ووزن، يزن، زن. والقياس من كسر الهاء؛ لأن الواو لا تسقط إلا على هذا التقرير، مثل عد، وزن ونحوهما، إلا أن الهاء فتحت من يهب؛ لأنها حرف حلق، فهي عارضة، فلذلك لم تعد الواو كما لم تعد في يسع ويدع.
{وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً} أي: أئمة يقتدون بنا في الخير. وفيه دليل على أن الرياسة في الدين مطلوبة، وطلبها من الله مندوب، وكان القشيري أبو القاسم شيخ الصوفية يقول: الإمامة بالدعاء لا بالدعوى، أي: بتوفيق الله، وتيسيره ومنته، لا بما يدعيه كل واحد لنفسه. وقال إبراهيم النخعي: لم يطلبوا الرياسة في الدنيا، بل بأن يكونوا قدوة في الدين.
هذا؛ و {أَزْواجِنا} جمع: زوج، وهو يطلق على الرجل، والمرأة، والقرينة تبين الذكر، والأنثى، ويقال لها أيضا: زوجة، وحذف التاء منها أفصح إلا في الفرائض، فإنها بالتاء أفصح لتوضيح الوارث. هذا؛ والزوج: القرين، قال تعالى:{اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ} أي:
وقرناءهم، الآية رقم [٢٢] من سورة (الصافات). والزوج: ضد الفرد، وكل واحد منهما يسمى زوجا أيضا، يقال للاثنين هما زوجان، وهما زوج، كما يقال: هما سيان، وهما سواء، وقال تعالى:{قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} أي: من كل نوع ذكرا وأنثى، الآية رقم [٤٠] من سورة (هود) وقال تعالى: {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ..}. إلخ الآية رقم [١٤٣] من سورة (الأنعام)، والمعنى:
ثمانية أفراد، والزوج: الصنف، والنوع، قال تعالى في سورة (لقمان) رقم [١٠]: {فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أي: صنف من النبات، وقال تعالى في سورة (الحج) رقم [٥]: {فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}. (ذرياتنا): جمع: ذرية، وهي النسل من بني