هذا المقام، وتخطى خططه؛ خلع ربقة الإيمان من عنقه، ولابس الكفر، وما دام في درجة التغابي، أو الانهماك فلا يسلب عنه اسم المؤمن لاتصافه بالتصديق؛ الذي هو مسمى الإيمان.
تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.
الإعراب: {أَفَمَنْ:} الهمزة: حرف استفهام داخلة على مقدر محذوف، أي: أفبعد ما بينهما من التفاوت والتباين يتوهم كون المؤمن الذي حكيت أوصافه، كالفاسق الذي ذكرت أحواله. انتهى. جمل نقلا من أبي السعود. الفاء: حرف عطف. (من): اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه يعود إلى (من)، وهو العائد.
{مُؤْمِناً:} خبر {كانَ،} والجملة الفعلية صلة: (من)، لا محل لها. {كَمَنْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ، وإن اعتبرت الكاف اسما فهي الخبر، وتكون مضافة، و (من) اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة، وجملة: {كانَ فاسِقاً} صلة (من)، لا محل لها، والكلام {أَفَمَنْ..}. إلخ مستأنف لا محل له. {لا:} نافية. {يَسْتَوُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والجملة الفعلية ومتعلقه محذوف، التقدير: لا يستوون في المآل، أو عند الله: مستأنفة، لا محل لها.
{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩)}
الشرح: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى:} نوع من الجنات تأوي إليها أرواح المؤمنين. {نُزُلاً:} هو ما يعد للنازل؛ أي: للضيف من طعام، وشراب، وإكرام. قال أبو السعد الضبي: [الطويل] وكنّا إذا الجبّار بالجيش ضافنا... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
هذا؛ وأجيز اعتباره أن يكون جمع: نازل، كما قال الأعشى في معلقته رقم [٦٧]: [البسيط] إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا... أو تنزلون فإنّا معشر نزل
ولا وجه له البتة. {بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بسبب أعمالهم، وليس المراد السبب الحقيقي، حتى يخالف نص الحديث الشريف، وفحوى هذا: أن نص الآية وغيرها كثير مثلها يفيد: أن دخول الجنة بسبب الأعمال الصالحة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لن يدخل أحدا عمله الجنّة». قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: «ولا أنا إلاّ أن يتغمّدني الله بفضله، ورحمته، فسدّدوا، وقاربوا... إلخ».
أخرجه البخاري عن أبي هريرة-رضي الله عنه-وقد قال تعالى في سورة (الأعراف) الآية رقم [٤٣]: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ومثلها في الزخرف رقم [٧٢].
والجمع بين هذه الآيات، والحديث الشريف بأنّ محمل آية (الأعراف) وآية (الزخرف) على أن منازل الجنة إنما تنال بالأعمال؛ لأن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن