مفعولا به. وها في محلّ جرّ بالإضافة. {مِنَ الشَّيْطانِ:} متعلقان بالفعل: {أُعِيذُها}.
{الرَّجِيمِ:} صفة: {الشَّيْطانِ}.
{فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٧)}
الشرح: {فَتَقَبَّلَها رَبُّها} أي: فقبل الله سبحانه مريم؛ الّتي نذرتها أمّها، كما تقدّم. وقيل:
معنى التقبّل: التكفل في التربية، والقيام بشأنها. {بِقَبُولٍ حَسَنٍ} أي: قبلها الله قبولا حسنا. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: سلك بها طريق السّعداء. {وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً} أي: سوّى خلقها من غير زيادة، ولا نقصان، فكانت تنبت في اليوم ما ينبت المولود في عام واحد. هذا؛ والقبول، والنبات اسما مصدر، والمصدر: تقبّلا، وإنباتا؛ لأن فعلهما تقبّل، وأنبت، وهما مثل: عطاء، وسلام، وعذاب... إلخ، قال القطامي-وهو الشاهد رقم [٥٣٠] من كتاب: «فتح رب البريّة» -: [الوافر]
أكفرا بعد ردّ الموت عنّي... وبعد عطائك المئة الرّتاعا
أراد بعد إعطائك، لكن لمّا قال: أنبتها؛ دلّ على نبت، كما قال امرؤ القيس قائد الشّعراء إلى النّار. [الطويل]
فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا... ورضت فذلّت صعبة أيّما إذلال
وإنّما مصدر ذلّت: ذلّ، ولكنّه ردّه إلى معنى: أذللت، وكذلك كلّ ما يرد عليك في هذا الباب. فمعنى: تقبل، وقبل واحد، وأيضا قول القطامي: [الوافر]
وخير الأمر ما استقبلت منه... وليس بأن تتبعه اتّباعا
لأن تتبعت، وأتبعت بمعنى واحد، والأصل في القوم ضم القاف؛ لأنه مصدر مثل الدّخول، والخروج، والفتح جاء في حروف قليلة، مثل الولوع، والوزوع، هذه الثلاثة لا غير، قاله أبو عمرو، والكسائي، والأئمة.
{وَكَفَّلَها زَكَرِيّا:} ضمها إليه؛ أي: ألزم الله زكريا كفالتها، وقدّر ذلك، ويسّره له، وكانت أمّها لمّا ولدتها لفّتها بخرقة، وأتت بها الأحبار سدنة بيت المقدس، وقالت: دونكم هذه النّذيرة، فتنافسوا فيها؛ لأنها بنت إمامهم، وصاحب قربانهم، فقال زكريا-عليه السّلام-: أنا أحقّ بها؛ لأن خالتها عندي؛ لأن زكريا، وعمران تزوجا أختين، وكانت إيشاع بنت فاقوذ، وهي أمّ يحيى بن زكريا، وكانت حنّة بنت فاقوذ أخت إيشاع عند عمران، فقال الرّهبان،