والأحبار: لا! حتّى نقترع، فانطلقوا، وهم تسعة وعشرون إلى نهر الأردن، وألقوا أقلامهم على أنّ من ثبت قلمه في الماء، وصعد؛ فهو أولى بها، فثبت قلم زكريا، فأخذها، وبنى لها غرفة في المسجد بسلّم، لا يصعد إليها غيره، وكان يأتيها بأكلها، وشربها، ودهنها، فيجد عندها فاكهة الصّيف في الشّتاء، وفاكهة الشّتاء في الصيف.
هذا؛ والمحراب في اللغة أكرم موضع في المجلس، والمراد به الغرفة التي بناها لها زكريا في المسجد، سمّيت بذلك؛ لأنها محلّ محاربة الشّيطان؛ لأنّ المتعبد فيها يحاربه، ولذلك يقال لكلّ محلّ من محال العبادة: محراب. قال وضاح اليمن: [السريع]
ربّة محراب إذا جئتها... لم ألقها أو أرتقي سلّما
أي: ربة غرفة. {أَنّى لَكِ هذا} أي: من أين لك هذا؟ قاله أبو عبيدة، والنحاس. وهذا فيه تساهل؛ لأنّ أين سؤال عن الموضع، وأنّى سؤال عن المذهب، والجهات، والمعنى: من أي المذاهب، ومن أي الجهات لك هذا؟ وقد فرّق الكميت بينهما؛ حيث قال: [المنسرح]
أنّى ومن أين آبك الطّرب... من حيث لا صبوة ولا ريب
{قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ} أي: هو من الجنّة يرزقني الله إياه. {إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ:} يحتمل أن يكون من كلام مريم، وأن يكون مستأنفا من الله تعالى، وانظر الآية رقم [٢٧]. وفي هذا دليل على جواز كرامات الأولياء على أيديهم، وظهور خوارق العادات.
تنبيه: روى: أن فاطمة الزهراء-رضي الله عنها-أهدت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على طبق رغيفين، وبضعة لحم، فرجع بها إليها؛ أي: أرسلها إليها، أو أخذها، ورجع بها مغطاة، وقال:
هلمّي يا بنية! فكشفت عن الطّبق، فإذا هو مملوء خبزا، ولحما، فقال لها: أنّى لك هذا؟ قالت:
هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال: الحمد الذي جعلك شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل! ثمّ جمع عليّا، والحسن، والحسين، وجميع أهل بيته، فأكلوا، وشبعوا، وبقي الطعام كما هو، فأوسعت على جيرانها! انتهى جمل نقلا من أبي السعود.
الإعراب: {فَتَقَبَّلَها:} الفاء: حرف عطف. (تقبلها): فعل ماض. و (ها) مفعول به. {رَبُّها:}
فاعله، و (ها) في محل جر بالإضافة، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: {قالَتْ} في الآية السابقة. هذا؛ ويقرأ الفعل بلفظ الدّعاء، و ({رَبُّها}) بالنصب؛ أي: يا ربها، وكذا الفعلان. ({أَنْبَتَها}) و ({كَفَّلَها}) قال أبو البقاء، والزّمخشري: فيكون الفاعل مستترا تقديره: أنت، وتكون الجملة من مقول {اِمْرَأَتُ عِمْرانَ} ولكن على تقدير الفاء الفصيحة؛ أي: وإذا كان ذلك حاصلا مني؛ فتقبلها. {بِقَبُولٍ:} متعلقان بما قبلهما، وهما في محل نصب مفعول مطلق. {حَسَنٍ:} صفة (قبول)، وجملة: {وَأَنْبَتَها} معطوفة على ما قبلها على