للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصادق: أمر الله عز وجل نبيه صلّى الله عليه وسلّم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه، وقد نظم بعضهم ما قاله جبريل فيما يلي: [الرجز]

مكارم الأخلاق في ثلاثة... من كملت فيه فذلك الفتى

إعطاء من تحرمه ووصل من... تقطعه والعفو عمّن اعتدى

وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذه الأخلاق من الله، فمن أراد الله به خيرا منحه خلقا حسنا، ومن أراد به سوءا منحه خلقا سيّئا». رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الشاعر الحكيم: [الكامل]

كلّ الأمور تزول عنك وتنقضي... إلا الثّناء فإنه لك باقي

ولو أنّني خيّرت كلّ فضيلة... ما اخترت غير مكارم الأخلاق

الإعراب: {خُذِ:} أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {الْعَفْوَ:} مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، وما بعدها معطوف عليها. {بِالْعُرْفِ:} متعلقان بما قبلهما. {وَأَعْرِضْ:}

الواو: حرف عطف. (أعرض): أمر، وفاعله: أنت. {عَنِ الْجاهِلِينَ:} متعلقان بما قبلهما.

{وَإِمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)}

الشرح: {يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ:} ينخسنك منه نخس، أي: وسوسة من الشيطان تحملك على خلاف ما أمرت به، كغضب، وتفكير بشيء غير صالح. هذا؛ والنخس والنزغ والنسغ، والنغز، والهمز، والوسوسة ألفاظ مترادفة، وأصل النزغ: الفساد، ومنه قوله تعالى حكاية عن قول يوسف-عليه السّلام-: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} أي: أفسد، فقد شبه سبحانه وسوسة الشيطان وإغواءه للناس بنخس السائق دابته بشيء؛ لتسير..

هذا؛ وانظر شرح: {الشَّيْطانِ} في الآية رقم [٤٩] من سورة (الأنفال). {فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} أي:

اطلب النجاة من ذلك بالله، فأمر سبحانه العبد أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه، والاستعاذة به، ولله المثل الأعلى، فلا يستعاذ من الكلاب إلا بصاحب الكلاب. {سَمِيعٌ:} يسمع استعاذتك.

{عَلِيمٌ:} يعلم ما فيه صلاحك، فيحملك عليه، أو هو سميع بأقوال من آذاك، عليم بأفعاله، فيجازيه عليها، مغنيا لك عن الانتقام، ومتابعة الشيطان. هذا؛ وفي الآية الكريمة استعارة تبعية، حيث شبه الإغراء على المعاصي بالنزغ، واستعير النزغ للإغراء، ثم اشتق منه {يَنْزَغَنَّكَ}.

قال القرطبي: ونظير هذه الآية ما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يأتي الشّيطان أحدكم، فيقول له: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له:

من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك؛ فليستعذ بالله، ولينته».

<<  <  ج: ص:  >  >>