للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(دانية) أي: تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها لهم، أو معطوفة عليها، أي: ودانية عليهم ظلالها، ومذللة قطوفها، وإذا نصبت {وَدانِيَةً} على الوصف، فهي صفة مثلها، ألا ترى أنك لو قلت: جنة ذللت قطوفها كان صحيحا. {تَذْلِيلاً:} مفعول مطلق.

{وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥)}

الشرح: {وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} أي: يدور على هؤلاء الأبرار الخدم إذا أرادوا الشراب بآنية من فضة. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء، أي: ما في الجنة أشرف، وأعلى، وأنقى! ثم لم تنف الأواني الذهبية، بل المعنى:

يسقون في أواني الفضة، وقد يسقون في أواني الذهب، وقد قال تعالى في سورة (الزخرف) رقم [٧١]: {يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ،} والمعنى: أن لهم في الجنة أطعمة، وأشربة، يطاف بها عليهم في صحاف من ذهب، وأكواب، ولم يذكر الأطعمة، والأشربة؛ لأنه يعلم: أنه لا معنى للإطافة بالصحاف، والأكواب، والآنية عليهم من غير أن يكون فيها شيء.

وفي الصحيحين عن حذيفة-رضي الله عنه-أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا تلبسوا الحرير، ولا الدّيباج، ولا تشربوا في آنية الذّهب، والفضّة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنّها لهم في الدّنيا، ولكم في الآخرة». وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال:

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن أهل الجنّة يأكلون فيها، ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يمتخطون». قالوا: فما بال الطعام؟ قال: «جشاء، ورشح كرشح المسك، يلهمون التّسبيح، والتّحميد، والتكبير كما يلهمون النّفس». وروى الأئمة من حديث أم سلمة-رضي الله عنها- عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «الّذي يشرب في آنية الذّهب، والفضّة؛ إنّما يجرجر في بطنه نار جهنم».

وقال: «لا تشربوا في آنية الذّهب، والفضّة، ولا تأكلوا في صحافهما».

وهذا يقتضي التحريم، ولا خلاف في ذلك. ويقاس على الأكل، والشرب سائر الاستعمالات. وأيضا: الاقتناء لقوله صلّى الله عليه وسلّم في الذهب، والحرير: «هذان حرام لذكور أمتي حلّ لإناثها».

هذا؛ و (أكواب) جمع: كوب، وهو وعاء مدور، لا أذن له، ولا عروة بخلاف الإبريق فإن له ذلك، والملاحظ: أن لفظ: (أكواب) جاء بسورة (الزخرف) وفي هذه السورة، وفي سورة (الواقعة) و (الغاشية) بلفظ الجمع ولم يأت له مفرد قطعا؛ لأنه لا يتهيأ فيها ما يجعلها في النطق، والظهور، والرقة، والانكشاف، وحسن التناسب كلفظ: (أكواب) الذي هو الجمع، وقل مثله في:

أباريق، فإنه لم يستعمل منه مفرد، ولم يذكر إلا في سورة (الواقعة)، ومفرده: إبريق، سمي بذلك؛ لأنه يبرق لونه من صفائه. هذا؛ وقد جاء لفظ الكوب مفردا في قول عدي بن زيد: [السريع]

<<  <  ج: ص:  >  >>