الشرح:{ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ} أي: يعلم سبحانه ما غاب عن أبصار عباده، وما يشاهدونه بحواسهم، فلا يغيب عن علمه شيء في الأرض، ولا في السماء، وهو السميع العليم. فنبه سبحانه على انفراده بعلم الغيب، والإحاطة بالباطن الذي يخفى على الخلق، فلا يجوز أن يشاركه فيه أحد من خلقه. هذا؛ وقال القرطبي:{ذلِكَ} بمعنى: أنا، وفي الكلام معنى التهديد، والوعيد؛ أي: أخلصوا أفعالكم، وأقوالكم فإني أجازي عليها. انتهى. وقال الخازن: يعني الذي صنع ما ذكر من خلق السموات والأرض هو عالم الغيب والشهادة. انتهى.
هذا؛ وأرى: أن الإشارة إلى ما تقدم بيانه، وأن هناك مضافا محذوفا، التقدير: ذلك فعل عالم الغيب، والشهادة. فلما حذف المضاف، أقيم المضاف إليه مقامه. هذا؛ وانظر شرح:
{الْغَيْبِ} في الآية رقم [٣] من سورة (سبأ).
الإعراب:{ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {عالِمُ:} خبر المبتدأ، وهو مضاف، و {الْغَيْبِ:} مضاف إليه، من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {وَالشَّهادَةِ:} معطوف على: {الْغَيْبِ} على لفظه. {الْعَزِيزُ:} خبر ثان للمبتدإ. {الرَّحِيمُ:} خبر ثالث له، وقد رأيت في البسملة أنه يجوز في العربية قطعهما على إضمار مبتدأ، أو على إضمار فعل، تقديره: أعني. هذا؛ وقرئ شاذا بجر الأسماء الثلاثة على البدلية من الضمير المجرور محلا ب:{إِلَيْهِ،} والجملة الاسمية:
الشرح:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ:} خلقه موفرا عليه ما يلزم له، ويليق به على وفق الحكمة، والمصلحة، وقال عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-: أتقنه، وأحكمه. وقيل:
المعنى: علم كيف يخلق كل شيء. وقيل: خلق كل حيوان على صورة، فلم يخلق البعض على صورة البعض، فكل حيوان كامل في صورته، حسن في شكله، وكل عضو مقدر على ما يصلح به معاشه. وقيل: المعنى ألهم خلقه ما يحتاجون إليه، وعلمهم إياه. وقيل: معناه: أحسن إلى كل خلقه. انتهى. خازن.
{وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ:} يعني: آدم. {مِنْ طِينٍ} أي: من تراب الأرض، وفي سورة (الحجر) رقم [٢٦]: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} انظر شرح هذه الآية هناك، فإنه جيد، ومعنى:{مِنْ طِينٍ} أي: إن الأصل آدم، وهو من طين. قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: أي: