وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية في محل جزم جواب للشرط الذي رأيت تقديره. {بِحَدِيثٍ:} متعلقان بما قبلهما.
{مِثْلِهِ:} صفة (حديث)، والهاء في محل جر بالإضافة. {إِنْ:} حرف شرط جازم. {كانُوا:}
ماض ناقص مبني على الضم في محل جزم فعل الشرط، {صادِقِينَ:} خبر (كان) منصوب وعلامة نصبه الياء... إلخ، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه.
الشرح:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أي: وجدوا في هذه الدنيا من غير موجد؛ فلذلك لا يعبدونه، ولا يقرون بواحدانيته! أو خلقوا من غير تكليف بعبادة، ولا مجازاة على عمل ما! وقيل: المعنى: أخلقوا من غير أب، ولا أم، فهم كالجماد لا يعقلون ولا تقوم لله عليهم حجة؟! لا، أليس قد خلقوا من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. {أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ} أي: أيدعون:
أنهم خلقوا أنفسهم، فهم لا يأتمرون لأمر الله، وهم لا يقولون ذلك، وإذا أقروا، واعترفوا بأن لهم خالقا، ورازقا؛ فما الذي يمنعهم من الإقرار له بالعبادة، والتوحيد دون الأصنام، وما الذي يمنعهم من الإقرار بأن الله قادر على بعثهم، كما أوجدهم من العدم.
{أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} يعني: ليس الأمر كذلك قطعا، فإنهم لم يخلقوا شيئا من ذلك. {بَلْ لا يُوقِنُونَ} أي: بالحق، وهو: توحيد الله، وقدرته على البعث، والحساب، والجزاء، وأن الله هو خالقهم، وخالق السموات، والأرض فليؤمنوا به، وليوقنوا: أنه ربهم، وخالقهم، ورازقهم، ومحييهم، ومميتهم.
هذا؛ وأصل يوقنون:(يؤيقنون)؛ لأنه من:(أيقن) الرباعي، فحذفت الهمزة للتخفيف، حملا على المبدوء بهمزة المضارعة، مثل (أأيقنون) الذي حذفت همزته للتخلص من ثقل الهمزتين، فصار (ييقنون) ثم قلبت الياء الثانية واوا لسكونها، وانضمام ما قبلها. وهذا الإعلال يجري في كل فعل ثلاثي، مزيدة الهمزة في أوله، مثل: أجاب يجيب، وأكرم، يكرم... إلخ. وقد يجيء على القياس، وهو الأصل المهجور، كما في قول أبي حيان الفقعسي: فإنّه أهل لأن يؤكرما.
ولا تنس: أن هذه الهمزة المزيدة تحذف من اسمي الفاعل، والمفعول المأخوذين من الفعل الثلاثي المزيدة فيه الهمزة، وذلك مثل: مكرم، ومكرم، والقياس مؤكرم، ومؤكرم. وقس على ذلك. هذا؛ و «غير» اسم شديد الإبهام، لا يتعرف بالإضافة لمعرفة، وغيرها، وهو ملازم