للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣١)}

الشرح: {قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي..}. إلخ: في الكلام حذف؛ إذ التقدير: فذهب الهدهد، فألقى إليهم الكتاب، فسمعها تقول: {يا أَيُّهَا الْمَلَأُ،} و {الْمَلَأُ:} الأشراف، والسادة. وانظر الآية رقم [٣٤] من سورة (الشعراء). ثم وصفت الكتاب بالكريم، إما؛ لأنه من عند عظيم في نفسها، ونفوسهم، فعظمته إجلالا لسليمان، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وهذا قول ابن زيد. وإما أنها إشارة إلى أنه مطبوع عليه بالخاتم، فكرامة الكتاب ختمه، وروي ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وعن ابن المقفع: من كتب إلى أخيه كتابا، ولم يختمه؛ فقد استخف به.

وقيل: لأنه بدأ فيه بالبسملة، وقد قال سيد الخلق، وحبيب الحق، الناطق بالصدق: «كل كلام لا يبدأ فيه ب‍: بسم الله الرحمن الرحيم، فهو أجذم. وفي رواية: فهو أقطع. وفي ثالثة: فهو أبتر». وقيل: كريم لغرابة شأنه؛ حيث ألقي إليها من حيث لا تعلم. وقيل: كريم لكرم مضمونه، وهو مفهوم بعض ما تقدم. وانظر شرح {كَرِيمٌ} في الآية رقم [٥٩] من سورة (الشعراء).

{أَلاّ تَعْلُوا عَلَيَّ:} لا تترفعوا علي، ولا تتكبروا عن متابعتي، ولا تأنفوا عن الانقياد إلى طاعتي، فإني رسول من رب العالمين، وقرئ: «(ألا تغلوا)» بالغين شاذا، من: غلا، يغلو: إذا تجاوز، وتكبر، وهي راجعة إلى قراءة الجماعة. {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ:} موحدين، منقادين، طائعين، وليس المراد ملة الإسلام الحادثة التي جاء بها محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولو قلنا بذلك؛ لرد علينا بما رددنا به على اليهود والنصارى من أن ملة الإسلام الحادثة حدثت بعد سليمان بزمن طويل، فكيف يكون سليمان عليها، ومثل ذلك قل في إسلام نوح وغيره من الأنبياء من أن المراد بإسلامهم التوحيد.

وردنا على اليهود هو ما تضمنه قوله تعالى: {ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. الآية رقم [٦٧] من سورة (آل عمران)، وقوله تعالى في الآية التي قبلها: {وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}.

قال البيضاوي رحمه الله تعالى: وهذا الكلام-أي: ما تضمنه الكتاب-في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود، لاشتماله على البسملة، الدالة على ذات الصانع، وصفاته صريحا، أو التزاما، والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل، والأمر بالإسلام، الجامع لأمهات الفضائل، وليس الأمر فيه الانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد، فإن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الأدلة. انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {قالَتْ:} فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل مستتر تقديره: «هي» يعود إلى بلقيس، (يا): أداة نداء، تقوم مقام: أدعو، أو أنادي، (أيها): نكرة مقصودة مبنية على الضم في

<<  <  ج: ص:  >  >>