الاستفهامية. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ قُرَّةِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من نائب الفاعل، أو من {ما} نفسها، و {مِنْ} بيان لما أبهم فيها، و {قُرَّةِ} مضاف، و {أَعْيُنٍ} مضاف إليه. {جَزاءً:} مفعول مطلق، عامله محذوف، تقديره: جوزوا جزاء، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، أو هي في محل نصب حال من الضمير المجرور باللام، كما يجوز اعتبار {جَزاءً} حالا منه على تأويله ب: مجازين، وأجيز اعتباره مفعولا لأجله. {بِما:}
جار ومجرور متعلقان ب:{جَزاءً،} أو بالفعل المقدر، و:{ما:} تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية على مثال ما رأيت في الآية رقم [١٤] قوله تعالى: {بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨)}
الشرح:{أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً} أي: كامل الإيمان بالله، ورسوله، وكتابه، واليوم الآخر، والملائكة، راضيا بقضاء الله وقدره، مؤديا لله ما أوجب عليه، منتهيا عما نهاه عنه. {كَمَنْ كانَ فاسِقاً:} خارجا عن الإيمان، مقصرا بواجبات الله، مرتكبا ما نهى الله عنه. {لا يَسْتَوُونَ:}
لا يكونون عند الله بمنزلة ودرجة واحدة، والمراد: جنس المؤمنين، وجنس الفاسقين، ولم يرد مؤمنا واحدا، ولا فاسقا واحدا، ومعنى الآية مثل قوله تعالى في سورة (الجاثية) رقم [٢١]: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً..}. إلخ، وأيضا قوله تعالى في سورة (ن) رقم [٣٥]: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} وينبغي أن تعلم: أن الفعل (يستوي) من الأفعال التي لا يكتفى فيها بواحد، فلو قلت: استوى زيد لم يصح، فمن ثمّ لزم العطف على الفاعل، أو تعدده، كما في الآية الكريمة.
هذا؛ وقد نزلت الآية في علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-والوليد بن عقبة بن أبي معيط، كان بينهما تنازع، وكلام في شيء، فقال الوليد لعلي: اسكت فإنك صبي، وأنا شيخ، والله إني أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأشجع منك جنانا، وأملأ منك حشوا في الكتيبة! فقال له علي-رضي الله عنه وكرم الله وجهه-: اسكت! فإنك فاسق، فأنزل الله هذه الآية. هذا؛ ولا غرابة في إطلاق الفسق على الوليد، فقد صرحت آية (الحجرات) رقم [٦] بفسقه، وذلك لما تعرفه هناك من نقله عن بني المصطلق ما لم يكن، ويحتمل أن تطلق الشريعة ذلك عليه؛ لأنه كان على طرف من الإيمان، وهو الذي شرب الخمر في زمن عثمان رضي الله عنه، وصلى الصبح بالناس، ثم التفت، وقال: أتريدون أن أزيدكم؟ ونحو هذا مما يطول ذكره.
هذا؛ والفاسق في الشرع: الخارج عن أمر الله بارتكاب المعاصي، وله ثلاث درجات:
الأولى: التغابي وهو أن يرتكب الكبيرة أحيانا مستقبحا إياها. والثانية: الانهماك، وهو: أن يعتاد ارتكابها، غير مبال بها. والثالثة: الجحود، وهو أن يرتكبها مستصوبا إياها، فإذا شارف