القول الثالث: قال آخرون: بل نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة، فلم يعرفوا شطرها، فصلوا على أنحاء مختلفة؛ لما روي عن عامر بن ربيعة عن أبيه-رضي الله عنه-قال:
كنا في ليلة سوداء مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فنزلنا منزلا، فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا يصلي فيه، فلما أصبحنا إذا نحن قد صلينا إلى غير قبلة، فقلنا: يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة، فأنزل الله عز وجل:{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ..} ..
هذا وقال ابن جرير: ويحتمل: فأينما تولوا في دعائكم لي؛ فهنالك وجهي أستجب لكم دعاءكم. {إِنَّ اللهَ واسِعٌ} يسع خلقه كلهم بالكفاية، والرزق، والجود، والعطاء، وهو واسع الفضل، والرّحمة. وقيل: واسع القدرة، والرزق. وقيل: هو الغني؛ الذي وسع جميع مخلوقاته غناه. {عَلِيمٌ:} بأفعالهم ما يغيب منها شيء، قال تعالى:{وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}.
مسألة تتعلّق بحكم الآية، وهي: أن المسافر إذا كان في مفازة، أو بلاد الشّرك، واشتبهت عليه القبلة، فإنّه يجتهد في طلبها بنوع من الدلائل، ويصلي إلى الجهة التي أدّى إليها اجتهاده، ولا إعادة عليه، وإن لم يصادف القبلة، فإنّ جهة الاجتهاد قبلته، وكذا الغريق في البحر إذا بقي على اللّوح، فإنه يصلي على حسب حاله، وتصحّ صلاته، وكذا المشدود على جذع شجرة، ونحوها، بحيث لا يمكنه الاستقبال، والله أعلم.
الإعراب:{وَلِلّهِ:} الواو: حرف استئناف. ({لِلّهِ}): متعلقان بمحذوف خبر مقدّم. {الْمَشْرِقُ:}
مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {وَالْمَغْرِبُ:} معطوف على ما قبله.
{فَأَيْنَما:} الفاء: حرف عطف وتفريع أو هي الفصيحة. (أينما): اسم شرط جازم مبني على السكون. ويقال: مبني على الفتح، و (ما): زائدة، وهو في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بالفعل بعده. وقيل: متعلق بجوابه، والأول أصح. {تُوَلُّوا:} فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، أو هي في محل جر بإضافة:(أينما) إليها على اعتبارها متعلقة بالجواب. {فَثَمَّ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (ثمّ): ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم، وقد بني على الفتح لتضمنه معنى الإشارة، وقيل: لتضمنه معنى حرف الخطاب. {وَجْهُ:} مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، و {لِلّهِ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل جزم جواب الشرط، والشرط ومدخوله كلام معطوف على ما قبله لا محل له مثله، والجملة الاسمية:{إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ} مستأنفة لا محل لها.
الشرح:{وَقالُوا:} أي: اليهود، والنّصارى، ومن زعم: أنّ الملائكة بنات الله، وهم العرب. {اِتَّخَذَ اللهُ وَلَداً:} فقد أخرج البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم