{فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥)}
الشرح: {فَانْطَلَقُوا:} خرجوا من بيوتهم مبكرين. {وَهُمْ يَتَخافَتُونَ} أي: يتناجون فيما بينهم، بحيث لا يسمعون أحدا كلامهم. وهو من: خفت، يخفت: إذا سكن، ولم يبين، كما قال دريد بن الصمة: [الطويل]
وإنّي لم أهلك سلالا ولم أمت... خفاتا وكلاّ ظنّه بي عوّدي
وقيل: يخفون أنفسهم من الناس؛ حتى لا يروهم. وكان أبوهم يخبر الفقراء، والمساكين؛ ليحضروا، كما قد رأيت فيما سبق، {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} أي: كان يقول بعضهم لبعض: لا تمكنوا اليوم مسكينا يدخلها عليكم! قال الجمل نقلا عن شيخه: أصل الكلام: أن لا تدخلوها مسكينا، فأوقع النهي على دخول المساكين؛ لأنه أبلغ؛ لأن دخولهم أعم من أن يكون بإدخالهم، أو بدونه. انتهى.
{وَغَدَوْا} أي: ساروا إليها غدوة. {عَلى حَرْدٍ} أي: على قصد، وقدرة في أنفسهم، ويظنون أنهم تمكنوا من مرادهم، والحرد: القصد، ومنه قول الراجز: [الرجز]
أقبل سيل جاء من عند الله... يحرد حرد الجنّة المغلّه
قال المبرد: المغلة: ذات الغلة. وقال غيره: المغلة: التي يجري الماء في أصولها. هذا؛ والحرد: الغصب، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
إذا جياد الخيل جاءت تردي... مملوءة من غضب وحرد
هذا؛ وقال الأصمعي: رجل حريد، أي: فريد وحيد. قال: والمنحرد: المنفرد في لغة هذيل: وأنشد لأبي ذؤيب: [البسيط]
كأنه كوكب في الجوّ منحرد
وقال الأزهري: {حَرْدٍ} اسم قريتهم. وقال السدي: اسم جنتهم، وفيه لغتان: حرد، وحرد، ومعنى {قادِرِينَ} أي: في زعمهم على جنتهم، وثمارها، فلا يحول بينهم، وبينها أحد.
والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {فَانْطَلَقُوا:} (الفاء): حرف عطف. (انطلقوا): ماض، وفاعله، والألف للتفريق، والجملة الفعلية معطوفة على جملة (تنادوا...) إلخ. {وَهُمْ:} (الواو): واو الحال، (هم):
مبتدأ. {يَتَخافَتُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر