الشرح:{وَكَذلِكَ جَعَلْنا..}. إلخ: أي كما جعلنا في مكة أكابر مجرميها؛ ليمكروا فيها، جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها؛ ليمكروا فيها. هذا؛ وقرئ: «(أكبر مجرميها)» وانظر الآية رقم [٤١](المائدة) وتخصيص الأكابر بالذكر؛ لأنهم أقوى على استتباع الناس، والمكر بهم، بما لهم من سلطة، ومال، وجاه، وتلك سنة الله: أنه جعل أتباع الرسل ضعفاء أقوامهم، وجعل فساقهم أكابرهم، وإذا عرفنا: أن العلماء ورثة الأنبياء؛ تجلت لنا هذه الحقيقة في كل زمان، ومكان؛ حيث نجد أصدقاء العلماء، ومجالسيهم، وملازميهم هم الفقراء، والضعفاء، بينما نجد الأغنياء، وأصحاب الجاه الدنيوي بعيدين عنهم، إلا من رحم ربك. {وَما يَمْكُرُونَ إِلاّ بِأَنْفُسِهِمْ} أي: إن وبال مكرهم يعود إليهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. {وَما يَشْعُرُونَ:} أن وبال ذلك المكر يعود عليهم، ويضرهم. هذا؛ و (القرية) في الأصل: اسم للمكان الذي يجتمع فيه القوم، وهو يطلق على الضيعة الصغيرة، وعلى المدينة الكبيرة، كيف لا، وقد جعل الله مكة المكرمة أم القرى، كما رأيت في الآية رقم [٩٢]. هذا؛ وفي القاموس المحيط: القرية بكسر القاف، وفتحها، والنسبة إليها قروي، وقريي. والمكر: الكيد، والخداع، وتدبير الضر، والشر للناس في الخفاء كالذي حصل من زعماء مكة مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم. {بِأَنْفُسِهِمْ:} انظر الآية رقم [٧/ ٩].
{يَشْعُرُونَ:} الشعور: هو إدراك الشيء من وجه يدق، ويخفى، مشتق من الشعر لدقته، وسمي الشاعر شاعرا لفطنته، ودقة معرفته، والمعنى: وما يشعرون: أن وبال مكرهم راجع على أنفسهم، وأنهم سيحاسبون عليه يوم القيامة حسابا عسيرا.
الإعراب:(كذلك): متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف واقع مفعولا مطلقا، أي:
جعلنا في مكة فساقا، ومجرمين جعلا مثل جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، وانظر تفصيل الإعراب في الآية رقم [٥٥]. {جَعَلْنا:} فعل، وفاعل، وانظر إعراب:{حَلَلْتُمْ} في الآية رقم [٢](المائدة){فِي كُلِّ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و {كُلِّ} مضاف، و {قَرْيَةٍ:} مضاف إليه. {أَكابِرَ:} مفعول به ثان مقدم. {مُجْرِمِيها:} مفعول به أول مؤخر منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنه جمع مذكر سالم، وحذفت النون للإضافة، وها: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. هذا؛ وجوز اعتبار:{فِي كُلِّ} مفعولا أولا، و {أَكابِرَ} مفعولا ثانيا، و {مُجْرِمِيها} بدلا من: {أَكابِرَ،} كما جوز أن يكون:
{أَكابِرَ:} مضافا، و {مُجْرِمِيها:} مضافا إليه، إن فسر الجعل بالتمكين، وأفعل التفضيل إذا أضيف جاز فيه الإفراد، والمطابقة، ولذلك قرئ: «(أكبر مجرميها)». انتهى. بيضاوي. هذا؛ وقد