للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)}

الشرح: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ..}. إلخ: هذا رد لقول المشركين في الآية رقم [٧]. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لمّا عير المشركون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالفاقة، وقالوا: {مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ..}. إلخ حزن النبي صلّى الله عليه وسلّم لذلك، فنزلت تعزية له، فقال جبريل عليه السّلام:

السّلام عليك يا رسول الله! الله ربك يقرئك السّلام، ويقول لك: {وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ..}. إلخ.

ومعنى الآية: أن هذه عادة مستمرة من الله تعالى على رسله، فلا وجه لهذا الطعن، وما أنا إلا رسول، وما كنت بدعا من الرسل، وهم كانوا مثلي (يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق).

{وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} أي: إن الدنيا دار ابتلاء، وامتحان، فأراد سبحانه أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس: مؤمن، وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الصابر فتنة للغني. ومعنى هذا: أن كل واحد مختبر بصاحبه، فالغني ممتحن بالفقير، عليه أن يواسيه، ولا يسخر منه، والفقير ممتحن بالغني، عليه ألا يحسده، ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق.

فعن أبي الدرداء-رضي الله عنه-: أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «ويل للعالم من الجاهل، وويل للجاهل من العالم، وويل للمالك من المملوك، وويل للمملوك من المالك، وويل للشديد من الضعيف، وويل للضعيف من الشديد، وويل للسلطان من الرعية، وويل للرعية من السّلطان، وبعضهم لبعض فتنة وهو قوله تعالى: {وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ»}. أسنده الثعلبي، تغمده الله برحمته.

وقال مقاتل: نزلت في أبي جهل، وغيره من الزعماء حين رأوا أبا ذر، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما من فقراء المسلمين، فقالوا على سبيل الاستهزاء: أنسلم، فنكون مثل هؤلاء؟! ولا تنس: الالتفات من المفرد إلى الجمع.

{أَتَصْبِرُونَ} أي: على هذه الحالة من الفقر، والشدة، والأذى. ولهمزة الاستفهام معادل، تقديره: أم لا تصبرون، وهو يقتضي جوابا، كما قال المزني: بلى ربنا! نصبر، ونحتسب. ونظير هذه الجملة قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}. ولما صبر المؤمنون الأولون؛ أنعم الله عليهم بنعم لا تعد، ولا تحصى، قال تعالى: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا}. {وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً} أي: بكل امرئ، وبمن يصبر، أو يجزع، ومن يؤمن، ومن لا يؤمن، وبمن أدى ما عليه من الحق، ومن لا يؤدي. وخذ ما يلي:

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه-، يبلغ به النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضّل عليه بالمال والجسم، فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم». أخرجه البخاري، وغيره. ولمسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>