للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الباء سببية، وتتعلق حينئذ بمضمون الجملة المنفية، وهذا هو مقصود الاية الكريمة، والمعنى:

انتفى عنك الكهانة، والجنون بسبب نعمة ربك عليك، كما تقول: ما أنا بمعسر بحمد الله وغناه.

انتهى. جمل نقلا عن السمين. وأعتمد ما جريت عليه في الأول من الإعراب، وهو الموافق لما في المغني لابن هشام.

{أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١)}

الشرح: {أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ} أي: بل يقول الكفار: محمد شاعر. {نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ:}

قال قتادة: قال قوم من الكفار: تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه، كما كفى شاعر بني فلان.

قال الضحاك: هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر؛ أي: يهلك عن قريب، كما هلك من قبله من الشعراء، وإن أباه مات شابا، فربما يموت كما مات أبوه. هذا؛ والمنون: الموت في قول ابن عباس-رضي الله عنهما-، قال أبو الغول الطهوي: [الوافر] هم منعوا حمى الوقبى بضرب... يؤلّف بين أشتات المنون

أي: المنايا، يقول الشاعر: إن الضرب يجمع بين قوم متفرقي الأمكنة لو أتتهم مناياهم في أماكنهم؛ لأتتهم متفرقة، فاجتمعوا في موضع واحد، فأتتهم المنايا مجتمعة، وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: (ريب) في القرآن شك إلا مكانا واحدا في الطور:

{رَيْبَ الْمَنُونِ} يعني: حوادث الأمور. قال الشاعر: [الطويل] تربّص بها ريب المنون لعلّها... تطلّق يوما، أو يموت حليلها

وقال مجاهد: {رَيْبَ الْمَنُونِ} حوادث الدهر، و {الْمَنُونِ} هو الدهر، قال أبو ذؤيب الهذلي: [الكامل] أمن المنون وريبه تتوجّع... والدّهر ليس بمعتب من يجزع

وقال الأعشى في معلقته رقم [٢٠]: [البسيط] أأن رأت رجلا أعشى أضرّ به... ريب المنون ودهر متبل خبل

هذا؛ وإطلاق «الريب» على الحوادث استعارة تصريحية، شبهت بالريب؛ أي: الشك؛ لأنها لا تدوم. ولا تبقى على حال، كما أنه كذلك. قال الأصمعي: المنون: الليل، والنهار، وسمّيا بذلك؛ لأنهما ينقصان الأعمار، ويقطعان الاجال. قال الفراء: والمنون مؤنثة، وتكون واحدا؛ وجمعا. وقال الأصمعي: المنون واحد لا جماعة له. وقال الأخفش: هو جماعة لا

<<  <  ج: ص:  >  >>