للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن الكريم، ويجدر بي أن أقول: إن رضا الله عن العبد موقوف على رضا العبد عن الله تعالى، وفحوى هذا: أن العبد إذا رضي بكل شيء يصيبه في دنياه من صحة، أو مرض، أو غنى، أو فقر، فيكون راضيا عن الله تعالى، فالله يثيبه رضاه؛ أي: رحمته وعفوه، وجوده، وإحسانه، فعليه: من أحب أن يعرف منزلته عند الله تعالى؛ فلينظر منزلة الله عنده، فإن الله تعالى ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه، والدواء الشافي هو الرضا بقضاء الله، وقدره في كل ما يصيب المؤمن في دنياه. وخذ جرعة من هذا الدواء على لسان سيد الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم». رواه الإمام مسلم، وغيره عن أبي هريرة-رضي الله عنه-، وخذ ما يلي:

قال أبو زيد-رحمه الله تعالى-: غلطت في أربعة أشياء في الابتداء مع الله تعالى: ظننت أني أحبه، فإذا هو قد أحبني. قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}. وظننت: أني أرضى عنه فإذا هو قد رضي عني. قال تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وظننت: أني أذكره، فإذا هو يذكرني قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ}. وظننت: أني أتوب إليه، فإذا هو قد تاب عليّ. قال تعالى: {ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا}.

{ذلِكَ} أي: المذكور من الجزاء، والرضوان. {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي: خاف ربه، فتناهى عن المعاصي، فإن الخشية ملاك الأمر، والباعث على كل خير. هذا؛ والخشية: خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، وهو المراد منه بخشية عباد الله المؤمنين المتكررة في القرآن الكريم، والفعل: خشي، يخشى: والمصدر: خشية، والرجل خشيان، والمرأة خشيا، وهذا المكان أخشى من ذلك؛ أي: أشد خوفا. هذا؛ وقد يأتي الفعل خشي بمعنى: علم القلبية. قال الشاعر المسلم: [الكامل]

ولقد خشيت بأنّ من تبع الهدى... سكن الجنان مع النبيّ محمّد

(قالوا): معناه: علمت. وقوله تعالى في سورة (الكهف) رقم [٨١]: {فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً}. قال الأخفش: معناه: كرهنا. والله أعلم.

خاتمة:

عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ألا أخبركم بخير البرية؟». قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، كلّما كانت هيعة؛ استوى عليه. ألا أخبركم بخير البرية؟». قالوا: بلى يا رسول الله! قال: «رجل في ثلة من غنمه يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة. ألا أخبركم بشرّ البرية؟». قالوا: بلى يا رسول الله! قال:

«الذي يسأل بالله، ولا يعطي به». أخرجه أحمد.

الإعراب: {جَزاؤُهُمْ:} مبتدأ، والهاء في محل جر بالإضافة. {عِنْدَ:} ظرف مكان متعلق بالمصدر {جَزاؤُهُمْ} وقيل: متعلق بمحذوف حال منه، وكثير من النحويين لا يجيزون مجيء

<<  <  ج: ص:  >  >>