الأرض، وهي مثلهن؛ لأن طبقاتها مختلفة بالذات، متفاوتة بالصفات، والآثار والحركات، وقدمها لشرفها وعلو مكانها، وتقدم وجودها، ولأنها متعبد الملائكة، ولم يقع فيها معصية كما في الأرض. وأيضا؛ لأنها بمنزلة الذّكر، فنزول المطر من السماء على الأرض كنزول المني من الذكر في المرأة؛ لأن الأرض تنبت، وتخضر بالمطر. {تَعالى:} تنزه، وتعاظم، ومضارعه:
يتعالى، وليس له أمر، فهو ناقص التصرف، وأما «تعالوا» فهو بمعنى: أقبلوا.
الإعراب: {خَلَقَ:} ماض، والفاعل يعود إلى (الله). {السَّماواتِ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة؛ لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. {وَالْأَرْضَ:} معطوف على ما قبله. {بِالْحَقِّ:} متعلقان بمحذوف حال من {السَّماواتِ وَالْأَرْضَ،} وجملة: {خَلَقَ..}.
إلخ مستأنفة، لا محل لها. {تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ:} انظر الآية رقم [١] ففيها الكفاية.
{خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤)}
الشرح: {خَلَقَ الْإِنْسانَ:} أوجده، وأنشأه. {مِنْ نُطْفَةٍ:} هي ماء الرجل، والمرأة الحاصل منهما عند الجماع، وجمعها: نطف، ونطاف، مثل: برمة، وبرم وبرام، والنطفة: أيضا الماء الصافي، قل، أو كثر. {فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ:} مخاصم بالباطل، ومجادل بالزور، والبهتان.
{مُبِينٌ} أي: بين الخصومة، حيث ينكر البعث، والحساب، والجزاء يوم القيامة. هذا؛ وقد قيل: إن الآية نزلت في أبيّ بن خلف، وكان ينكر البعث، فجاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعظم رميم، فقال له: تزعم أن الله يحيي هذا العظم بعد ما رمّ؟! فنزلت فيه هذه الآية، ونزل فيه أيضا الآية رقم [٧٧] و [٧٨] من سورة (يس)، والصحيح أن الآية هنا عامة في كل ما يقع من الخصومة في الدنيا، ويوم القيامة، وآيتي (يس) هي الخاصة بذلك الكافر المعاند. هذا؛ وانظر شرح:
{مُبِينٌ} وإعلاله في الآية رقم [١] من سورة (الحجر).
أما {الْإِنْسانَ} فإنه يطلق على الذكر، والأنثى من بني آدم، ومثله كلمة: «شخص» قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} ومعلوم أن الله تعالى لم يقصد الذكور خاصة، والقرينة الآيات الكثيرة، الدالة على أن المراد: الذكر، والأنثى، واللام في {الْإِنْسانَ} إنما هي لام الجنس التي تفيد الاستغراق، ولذا صح الاستثناء من الإنسان في سورة العصر. هذا؛ وإنسان العين: هو المثال الذي يرى فيها، وهو النقطة السوداء التي تبدو لامعة وسط السواد.
الإعراب: {خَلَقَ:} ماض، وفاعله مستتر تقديره: «هو» يعود إلى الله. {الْإِنْسانَ:} مفعول به.
{مِنْ نُطْفَةٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وتعليقهما بمحذوف حال من {الْإِنْسانَ} غير مستبعد، وجملة: {خَلَقَ الْإِنْسانَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها. {فَإِذا:} الفاء: اختلف في هذه الفاء، فقال المازني، والفارسي، وجماعة: هي زائدة للتأكيد؛ لأن إذا الفجائية فيها معنى الإتباع، ولذا وقعت