للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنّ لساني شهدة يشتفى بها... وهوّ على من صبّه الله علقم

فالجار والمجرور: «على من» متعلقان بقوله: «علقم» لأنه بمعنى مرّ، وأيضا قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [٣]: {وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ..}. إلخ فالجار والمجرور: {فِي السَّماواتِ} متعلقان بلفظ الجلالة؛ لأنه بمعنى المعبود، أو المسمّى بهذا الاسم.

{وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥)}

الشرح: {وَقالَ قَرِينُهُ} أي: الملك الموكل به في الدنيا لكتابة أعماله، وهو الرقيب السابق ذكره، وتقدّم: أنه كاتب الحسنات والسيئات، وأن للإنسان رقيبين، وهما العتيدان. فإفراده لتأويله كما مرّ في الرقيب، وقال الزمخشري: هو الشيطان الذي قيض له في قوله تعالى في سورة (الزخرف) الاية رقم [٣٦]: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} ويشهد له قوله تعالى: {قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ}. {هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ:} هذا شيء لديّ، في ملكتي عتيد لجهنم، والمعنى: أن ملكا يسوقه، وآخر يشهد عليه، وشيطانا مقرونا به يقول: قد أعتدته لجهنم وهيئته لها بإغوائي، وإضلالي.

{أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ:} معاند للحق، والعنيد: المعرض عن الحق، يقال: عند يعند بالكسر عنودا؛ أي: خالف، ورد الحق، وهو يعرفه، فهو عنيد، وعاند، وجمع العنيد: عند، مثل رغيف، ورغف. هذا؛ والعنيد: الطاغي؛ الذي لا يقبل الحق، ولا يذعن له. قال أبو عبيد:

العنيد، والعنود، والعاند، والمعاند: المعارض بالخلاف، وعند، يعند من الباب الأول، وعند، يعند من الباب الرابع، وعند، يعند من الباب الخامس، والمصدر: عندا، وعنودا، وعندا.

هذا؛ وألقيا خطاب من الله تعالى للملكين السابقين: السائق، والشهيد، ويجوز أن يكون خطابا للواحد من وجهين: أحدهما قول المبرد: إن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما، كأنه قيل: ألق ألق للتأكيد. والثاني: أنّ العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان، فكثر على ألسنتهم أن يقولوا: خليليّ، ونحوه، ويجوز أن تكون الألف في {أَلْقِيا} بدلا من النون إجراء للوصل مجرى الوقف، ويؤيده قراءة الحسن البصري، وهي ليست سبعية: «(ألقين)» ومن هذا الباب قول امرئ القيس في أول معلقته رقم [١]: [الطويل] قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

ومن خطاب الاثنين، والمراد الواحد قول سويد بن كراع العكلي: [الطويل] فإن تزجراني يا بن عفّان أنزجر... وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا

<<  <  ج: ص:  >  >>