الإحكام، يقال: أبرمت الشيء؛ أي: أحكمته، وأبرم الفتّال الخيط ونحوه إذا أحكم فتله، وهو الفتل الثاني، والأول يسمى: سحيلا، قال زهير بن أبي سلمى في معلقته رقم [١٩]: [الطويل]
يمينا لنعم السّيّدان وجدتما... على كلّ حال من سحيل ومبرم
الإعراب: {أَمْ:} حرف بمعنى: «بل» التي للإضراب. {أَبْرَمُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {أَمْراً:} مفعول به، والجملة الفعلية مستأنفة. وقيل:
معطوفة على قوله: {أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} رقم [٤٥]. {فَإِنّا:} الفاء: هي الفصيحة فيما يظهر. (إنا): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {مُبْرِمُونَ:} خبر «إن» مرفوع، والجملة الاسمية لا محلّ لها؛ لأنها جواب شرط غير جازم، التقدير: وإذا حصل ذلك منهم فإنا مبرمون.
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)}
الشرح: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ} أي: أيظن الكافرون: أنا لا نسمع ما حدثوا به أنفسهم، وما تكلموا به فيما بينهم بطريق التناجي؟ {بَلى} أي: بلى نسمع سرهم، وعلانيتهم.
{وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} أي: وملائكتنا الحفظة الموكلون بهم يكتبون أعمالهم سرها، وجهرها.
روي: أنّ هذا نزل في ثلاثة نفر كانوا بين الكعبة، وأستارها، فقال أحدهم: أترون أنّ الله يسمع كلامنا؟ فقال الثاني: إذا جهرتم؛ سمع، وإذا أسررتم؛ لم يسمع. وقال الثالث: إن كان يسمع إذا أعلنتم، فهو يسمع إذا أسررتم. قاله محمد بن كعب القرظي. انتهى. قرطبي.
هذا؛ وحسب، يحسب من باب: تعب في لغة جميع العرب إلاّ بني كنانة، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضا على غير قياس، وقد قرئ المضارع بفتح السين، وكسرها، والمصدر: الحسبان بكسر الحاء. وحسبت المال حسبا من باب: قتل، بمعنى: أحصيته عددا.
وانظر شرح (لدينا) في الآية رقم [٤].
هذا؛ و {بَلى} حرف إثبات لما نفوه من سماع الله ما يقولونه في السرّ، والنجوى، و (بلى).
حرف جواب، كنعم، وجير، وأجل، وإي، إلاّ أنّ بلى جواب لنفي متقدم؛ أي: إبطال، ونقض، وإيجاب له، سواء دخله الاستفهام أم لا؟ فتكون إيجابا له، نحو قول القائل: ما قام زيد، فتقول: بلى؛ أي: قد قام. وقوله: أليس زيد قائما؟ فتقول: بلى؛ أي: هو قائم. قال تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: لو قالوا: نعم؛ لكفروا.
أما النجوى فهو حديث السر بين اثنين، أو أكثر، قال تعالى في سورة (المجادلة): {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى}. وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الثالث، فإنّ ذلك يحزنه». هذا؛ وقيل: إن النجوى