الاضطراب والميدان، كما تقي أوتاد الخيمة الخيمة، وقد كشف الوحي عن هذا المعنى، فقال في سورة (النحل) رقم [١٥]: {وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} ولولا هذه الجبال الشاهقة؛ لكانت الأرض بما في جوفها من الغازات، والأبخرة، والمواد المتراكمة المشتعلة دائمة الاضطراب، والخفقان، ولكانت كالريشة في مهب الهواء. فسبحان الحكيم العليم! على أن في خلق الجبال الشوامخ نعمة أخرى هي: نشوء السحب فوقها، وهطول الأمطار والثلوج عليها، فتتكون بسبب ذلك الأنهار، والعيون، وثم تكثر الأشجار، والزروع. فالجبال مخازن للثلوج، والأمطار، ومستودعات عامة لبركات السماء، ولهذا قرن تعالى بها نعمة الماء، فقال:
{وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً} فلله ما أبدع أسرار القرآن. انتهى.
هذا؛ و (الفرات) الماء العذب، يشرب منه، ويسقى الزرع. وفي القاموس: فرت الماء، ككرم فروتة عذب. قال تعالى في سورة (الفرقان) رقم [٥٣]: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ} وقال يزيد بن الصعق-وهو الشاهد رقم [٣٥١] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الوافر]
فساغ لي الشّراب وكنت قبلا... أكاد أغصّ بالماء الفرات
الإعراب:{أَلَمْ:} الهمزة: حرف استفهام، وتقرير. (لم): حرف نفي، وقلب، وجزم.
{نَجْعَلِ:} فعل مضارع مجزوم ب: (لم)، والفاعل مستتر تقديره:«نحن». {الْأَرْضَ:} مفعول به أول. {كِفاتاً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {أَحْياءً وَأَمْواتاً:} حالان عاملهما، وصاحبهما، مضمون الجملة السابقة، التقدير: تضمهم، وتجمعهم الأرض في هاتين الحالتين. وقيل: هما مفعولان ل: {كِفاتاً؛} لأنه مصدر: كفت، يكفت. وقيل: بل هو جمع:
كافت، كصيام، وقيام في جمع: صائم، وقائم. {وَجَعَلْنا:} الواو: حرف عطف. (جعلنا): فعل، وفاعل. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، وهما في محل المفعول الثاني، تقدم على الأول. {رَواسِيَ:} مفعول به، وهو صفة لموصول محذوف. {شامِخاتٍ:} صفة ثانية للموصوف المحذوف، وإن اعتبرته حالا منه بعد وصفه ب:{رَواسِيَ} فلست مفندا، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها. {وَأَسْقَيْناكُمْ:} الواو: حرف عطف. (أسقيناكم): فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {ماءً:} مفعول به ثان. {فُراتاً:} صفة {ماءً،} والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها أيضا. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ:} انظر إعراب هذه الجملة برقم [١٥].