للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العذاب؛ يعني: النار فقد شاهدتموها عيانا. {اِنْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ} أي: دخان، سماه الله ظلا تهكما، واستهزاء بالمكذبين. {ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ} أي: الدخان الذي يرتفع من نار جهنم يتشعب إلى ثلاث شعب، وهذا شأن الدخان العظيم في الدنيا، إذا ارتفع تشعب. وقيل: يخرج لسان من النار، فيحيط بالكفار كالسرداق، ويتشعب من دخانها ثلاث شعب. فتظلهم؛ حتى يفرغ من حسابهم، والمؤمنون في ظل العرش، ولا سيما المذكورون في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ في عبادة ربّه عزّ وجلّ، ورجل قلبه معلّق في المساجد. ورجلان تحابّا في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه». أخرجه البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أبي هريرة-رضي الله عنه-.

{لا ظَلِيلٍ} أي: ليس هو كالظل الذي يقي حر الشمس. فهو تهكم بهم، وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين. {وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} بمعنى: لا يدفع عنهم من لهب جهنم شيئا، واللهب: ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر، وأصفر، وأخضر. قيل: يتفرق الدخان المذكور ثلاث شعب: شعبة تقف فوق الكافر، وشعبة عن يمينه، وشعبة عن يساره.

{إِنَّها:} الضمير يعود إلى جهنم؛ لأنها مفهوم من سياق الكلام. {تَرْمِي بِشَرَرٍ:} جمع شررة، مثل: رقبة، ورقاب، ورحبة، ورحاب. {كَالْقَصْرِ} أي: كل شررة من نار جهنم كالقصر العظيم من القصور في عظمها. وقيل: هو الغليظ من الشجر الواحدة: قصرة، مثل: جمرة، وجمر، وقرئ بفتحتين، وهي أعناق الإبل، أو أعناق النخل، مثل شجرة وشجر. {كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ} جمع: جمل، وتجمع «الجمالة» جمع الجمع على: جمالات. هذا؛ وقيل: القصر:

الجبل العظيم، فشبه الله الشرر بالقصر في مقاديره، ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر، وهي الإبل السود، والعرب تسمي السود من الإبل: صفرا. قال الأعشى: [الخفيف]

تلك خيلي منه وتلك ركابي... هنّ صفر أولادها كالزّبيب

أي: هن سود، وإنما سميت السود من الإبل صفرا؛ لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة، كما قيل لبيض الظباء: الأدم؛ لأن بياضها تعلوه كدرة، والشرر إذا تطاير، وسقط؛ وفيه بقية من لون النار أشبه الإبل السود؛ لما يشوبها من صفرة. وفي شعر عمران بن حطان الخارجي: [الطويل]

دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم... بمثل الجمال الصّفر نزّاعة الشّوى

هذا ففي قوله تعالى: {تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} تشبيه مرسل مجمل. وفي قوله جل ذكره:

{كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ} تشبيه مرسل مفصل. هذا؛ وقال أبو العلاء: [الكامل]

حمراء ساطعة الذّوائب في الدّجى... ترمي بكلّ شرارة كطراف

<<  <  ج: ص:  >  >>