للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسدهما معا، والواوات العواطف نوائب عن هذه الواو، فحققن أن يكنّ عوامل على الفعل والجارّ جميعا، كما تقول: ضرب زيد عمرا، وبكر خالدا، فترفع الواو وتنصب لقيامها مقام ضرب الذي هو عاملها. انتهى. كشاف، وخذ قول النسفي الملخص من الكشاف لعله أوضح.

فقال-رحمه الله تعالى-: والواو الأولى في نحو هذا للقسم بالاتفاق، وكذا الثانية عند البعض. وعند الخليل الثانية للعطف؛ لأن إدخال القسم على القسم قبل تمام الأول لا يجوز، ألا ترى: أنّك لو جعلت موضعها الفاء، أو ثم لكان المعنى على حاله، وهما حرفا عطف، فكذا الواو. ومن قال: إنها للقسم؛ احتج بأنها لو كانت للعطف؛ لكان عطفا على عاملين؛ لأن قوله: {وَاللَّيْلِ} مثلا مجرورا بواو القسم، و {إِذا يَغْشى} منصوب بالفعل المقدر الذي هو أقسم، فلو جعلت الواو في {وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى} للعطف؛ لكان النهار معطوفا على الليل جرا، و {إِذا تَجَلّى} على {إِذا يَغْشى} نصبا، فصار كقولك: إن في الدار زيدا، والحجرة عمرا. وأجيب بأن واو القسم تنزلت منزلة الباء، والفعل؛ حتى لم يجز إبراز الفعل معها، فصارت كأنها العاملة نصبا، وجرا، وصارت كعامل واحد، له عملان، وكل عامل له عملان يجوز أن يعطف على معموليه بعاطف واحد بالاتفاق، نحو: ضرب زيد عمرا، وبكر خالدا، فترفع بالواو وتنصب، لقيامها مقام: ضرب الذي هو عاملهما، فكذا هنا. انتهى. هذا؛ وخذ قول الأعور الشني، وهو الشاهد رقم [٨٧٧/ ٢٥٧] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» فإن الكلام فيه مثل ما قال الزمخشري، والنسفي، رحمهما الله تعالى. [المتقارب]

هوّن عليك فإنّ الأمور... بكفّ الإله مقاديرها

فليس بآتيك منهيّها... ولا قاصر عنك مأمورها

{فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها (١٠)}

الشرح: {فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها:} الفاعل يعود إلى الله، ولم يتقدم له ذكر لفهمه من المقام، انظر الآية رقم [٢٦] من سورة (القيامة) وإن اعتبرت المقسم به في الآيات السابقة مضمر مقدر:

ورب الشمس... إلخ؛ فالفاعل عائد إليه، والضمير المنصوب، أو المجرور بالإضافة عائد إلى النفس. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-في معنى الآية: بين لها الخير، والشر، وعنه:

علمها الطاعة، والمعصية، وعنه: عرفها ما تأتي، وما تتقي. وعن محمد بن كعب القرظي؛ قال: إذا أراد الله عز وجل بعبده خيرا؛ ألهمه الخير، فعمل به، وإذا أراد به السوء؛ ألهمه الشر، فعمل به. وقال الفراء: عرفها طريق الخير، وطريق الشر، كما قال تعالى في سورة (البلد):

{وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} وروي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-. قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم {فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها} فقال: «اللهمّ آت نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليّها ومولاها».

<<  <  ج: ص:  >  >>