للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا؛ والإلهام في اللغة: إلقاء الشيء في الروع. قال الراغب: ويختص بما يكون من جهته تعالى، وجهة الملأ الأعلى. وفي الاصطلاح: إلقاء معنى في القلب بطريق الفيض من غير كسب، فيختص بالخير لعدم إطلاق الفيض على الشر، بل يطلق عليه اسم الوسوسة. هذا؛ وقد ذكرت لك في سورة (النحل) وسورة (القصص) أن إيحاء الله للنحلة، ولأم موسى إنما هو إلها. هذا؛ والفجور:

الخروج عن جادة الحق، والصواب. والفاجر: هو الذي يرتكب الأمور الفاحشة، ولا يتورع عن الأعمال الشريرة. والتقوى: حفظ النفس من العذاب الأخروي بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه.

وخذ قول توبة بن الحمير-وهو الشاهد رقم [٩٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» - [الطويل]

وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر... لنفسي تقاها أو عليها فجورها

هذا؛ وعن أبي الأسود الدؤلي-رحمه الله تعالى-قال: قال لي عمران بن حصين-رضي الله عنه-: أرأيت ما يعمل الناس، ويكدحون فيه؛ أشيء قضي عليهم، ومضى عليهم من قدر قد سبق؟ أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلّى الله عليه وسلّم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيء قضي عليهم، ومضى عليهم، فقال: أفلا يكون ظلما؟ قال: ففزعت من ذلك فزعا شديدا، وقلت: كل شيء خلق الله، وملك يده، فلا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، فقال لي: يرحمك الله، إني لم أرد بما سألتك إلا لأختبر عقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقالا: يا رسول الله! أرأيت ما يعمل الناس اليوم، ويكدحون فيه؛ أشيء قضي عليهم، ومضى عليهم من قدر قد سبق؟! أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلّى الله عليه وسلّم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: «لا بل شيء قضي عليهم، ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَما سَوّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها»}. أخرجه مسلم. وعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال: جاء سراقة بن مالك المدلجي-رضي الله عنه-فقال: يا رسول الله! بين لنا ديننا كأننا خلقنا الآن. فيم العمل اليوم فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أو فيما يستقبل؟ قال: «لا، بل فيما جفت الأقلام، وجرت به المقادير». قال: ففيم العمل؟ فقال: «اعملوا فكلّ ميسّر لما خلق له». أخرجه مسلم.

انتهى. خازن، ومثله في القرطبي.

أقول: وهذا أعظم دليل لأهل السنة على أن العبد لا يخلق أفعال نفسه، وإنما يخلقها الله فيه بتوفيقه لأداء الطاعات، واجتناب السيئات. وفيه ردع، وزجر للمعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق أفعال نفسه، وقد صفع ابن المنير الزمخشري صفعتين بكلتا يديه حيث حاول التملص من صريح الآيتين، وأخذ يحوّر معناهما، ويتأول مغزاهما حسب مذهبه الاعتزالي، فجزى الله ابن المنير خير الجزاء على ذلك.

{قَدْ أَفْلَحَ:} فاز، ونجا. {مَنْ زَكّاها} أي: طهّر نفسه من الذنوب، والمعاصي، وزكاها بالأعمال الصالحة، والعلم، والمعرفة، والعمل الصالح. وهذا على عود الفاعل إلى {مَنْ} وعلى عوده إلى (الله) فبتوفيق الله للطاعة، وبصرفه له عن المعاصي، والذنوب. {وَقَدْ خابَ مَنْ}

<<  <  ج: ص:  >  >>