للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي وقع بهم في وقعة بدر. والثالث: العذاب الذي يحل بهم يوم القيامة. قال عكرمة: هو باب من أبواب جهنم، عليه من الخزنة أربعمئة ألف، سود وجوههم، كالحة أنيابهم، قد قلعت الرحمة من قلوبهم؛ إذا بلغوه فتحه الله-عز وجل-عليهم. ولعلك تدرك معي: أن هذا القول أولى بالاعتبار.

{إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ:} متحيرون، آيسون من كل خير، لا يدرون ما يصنعون. هذا؛ وقد قال الفراء: المبلس: اليائس المنقطع رجاؤه، وذلك يقال لمن يسكت عند انقطاع حجته، ولا يكون له جواب: قد أبلس. وأقول: سمي إبليس من هذا؛ لأنه أفلس من رحمة الله، وانقطع رجاؤه من سعة فضل الله. بعد هذا خذ ما رواه عقبة بن عامر-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رأيتم الله يعطي العبد ما يحبّ، وهو مقيم على معصيته، فذلك منه تعالى استدراج». ثم تلا قوله تعالى: {فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ}. ذكره البغوي بغير سند، وأسنده الطبري، وانظر الآية رقم [٤٤] من سورة (الأنعام)، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {حَتّى:} حرف ابتداء. {إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك مبني على السكون في محل نصب. {فَتَحْنا:} فعل، وفاعل.

{عَلَيْهِمْ:} متعلقان بما قبلهما. {باباً:} مفعول به. {إِذا:} صفة (بابا) منصوب مثله، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و (ذا) مضاف، و {عَذابٍ:} مضاف إليه. {شَدِيدٍ:} صفة عذاب، وجملة: {فَتَحْنا..}. إلخ في محل جر بإضافة (إذا) إليها على القول المشهور المرجوح. {إِذا:} كلمة دالة على المفاجأة. {عَلَيْهِمْ:} مبتدأ. {فِيهِ:} متعلقان بما بعدهما. {مُبْلِسُونَ:} خبر المبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ. والجملة الاسمية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على اعتبارها ظرفا، وابتدائية لا محل لها على اعتبار {إِذا} حرفا، وانظر باقي الإعراب في الآية رقم [٦٥]. و {إِذا} ومدخولها كلام مستأنف لا محل له. هذا؛ ويعتبر الأخفش {حَتّى} في مثل هذه الآية جارة ل‍: {إِذا،} وقد رده ابن هشام في المغني، وعلى قوله: {حَتّى إِذا..}. إلخ جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف التقدير: فليستمروا على ما ذكر حتى إذا... إلخ. هذا؛ والتعبير بالفعل الماضي عن المستقبل على الاعتبار الأخير، والمعتمد عندي إنما هو لتحقق وقوعه.

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٧٨)}

الشرح: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ:} خلق، وأوجد. {لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ:} لتحسوا بها ما نصب الله في هذا الكون من الآيات. {وَالْأَفْئِدَةَ:} القلوب لتتفكروا فيها، وخص الحواس الثلاث بالذكر؛

<<  <  ج: ص:  >  >>