{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦)}
الشرح: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً:} هذا وعيد من الله-عزّ وجلّ-للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل الله تعالى من اليهود، وغيرهم من سائر الكفار، والمعنى: إنّ الذين جحدوا ما أنزلت على رسولي محمد من آياتي الدالة على توحيدي، وصدق رسولي محمد صلّى الله عليه وسلّم، سوف أدخلهم نارا، يحترقون فيها. {كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} أي: احترقت جلودهم.
{بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها:} يعني غير الجلود المحترقة. قال ابن عباس، وابن عمر-رضي الله عنهم-: إذا احترقوا؛ بدلت لهم جلود بيض كالقراطيس. وروي: أنّ هذه الآية قرئت عند عمر -رضي الله عنه-، فقال عمر للقارئ: أعدها، فأعادها، وكان عنده معاذ بن جبل، فقال عند تفسيرها: تبدّل كلّ ساعة مائة مرّة، فقال عمر-رضي الله عنه-: هكذا سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
ذكره البغويّ بغير سند، وخذ ما يلي:
عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيّام للرّاكب المسرع». رواه البخاريّ، ومسلم.
وعنه أيضا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «ضرس الكافر، أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيّام». أخرجه مسلم، والترمذيّ.
وإن أردت الزيادة؛ فانظر التّرغيب، والتّرهيب للحافظ المنذري، رحمه الله تعالى.
والحكمة في توسيع جلودهم، وأعضائهم؛ ليذوقوا شدّة العذاب، كما قال تعالى: {لِيَذُوقُوا الْعَذابَ}. وتبديل الجلود: إعادتها بشكل آخر، كما تقول: صنعت من خاتمي خاتما آخر، فالثاني هو الأوّل غير أنّ الصناعة بدلت الصّفة. وقيل: المراد بالجلود: السّرابيل، كما قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ} سمّيت جلودا للزومها جلودهم على المجاورة، كما يقال للشيء الخاص بالإنسان: هو جلدة ما بين عينيه، وأنشد ابن عمر-رضي الله عنهما-: [الطويل]
يلومونني في سالم وألومهم... وجلدة بين العين والأنف سالم
ونظير تبديل الجلود قوله تعالى في سورة (إبراهيم) أيضا: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ} وهي تلك الأرض بعينها إلا أنّها تغيّر آكامها، وجبالها، وأنهارها، وأشجارها، ويزاد في سعتها، ويسوّى ذلك منها، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [الطويل]
فما النّاس بالنّاس الّذين عهدتهم... ولا الدّار بالدّار الّتي كنت أعرف