للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٠)}

الشرح: روى البخاريّ، وغيره عن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنه قال: «لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان من اليهود هنا»، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من أبوكم؟» قالوا: فلان، قال: «كذبتم بل أبوكم فلان». فقالوا:

صدقت وبررت! ثم قال لهم: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟» قالوا: نعم يا أبا القاسم! وإن كذبناك؛ عرفت كذبنا، كما عرفته في أبينا! فقال لهم: «من أهل النار؟» فقالوا:

نكون فيها يسيرا، ثمّ تخلفونا فيها، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اخسئوا، والله لا نخلفكم فيها أبدا!» ثم قال لهم: «هل أنتم صادقيّ عن شيء إن سألتكم عنه؟». قالوا: نعم يا أبا القاسم! قال: «هل جعلتم في هذه الشاة سمّا؟». فقالوا: نعم! قال صلّى الله عليه وسلّم: «ما حملكم على ذلك؟» فقالوا:

أردنا إن كنت كاذبا؛ أن نستريح منك، وإن كنت نبيّا؛ لم يضرك».

وقال مجاهد: عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: إنّ اليهود كانوا يقولون: إنّ هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنّما نعذب بكل ألف سنة يوما في النّار، وإنّما هي سبعة أيام معدودة، فأنزل الله تعالى: {وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً،} وقال العوفي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: قالوا: ولن تمسنا النار إلا أربعين ليلة، وهي مدّة عبادتهم العجل.

هذا؛ وقد جاء وصف {أَيّاماً} في آية الصيام الآتية بلفظ: {مَعْدُوداتٍ،} وهذا يدل على أنه يجوز في العربية استعمال اللفظين في وصف أياما كما ترى. {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ:} انظر الآية رقم [٥٤] فالبحث فيها واف كاف. {عِنْدَ اللهِ عَهْداً:} أي: قل يا محمد لهم على سبيل الإنكار، والتوبيخ، والتقريع: هل أعطاكم الله عهدا بذلك، فالله لا يخلف وعده، ولا ينقض عهده؛ لأنه تعالى لا يخلف الميعاد، ولكن هذا ما جرى، ولا كان من الله تعالى، بل أنتم تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب، والافتراء. وافتراؤهم هذا كان حينما توعّدهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالنّار؛ إن لم يسلموا. هذا؛ وقال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: يجوز في {أَمْ} في هذه الآية أن تكون معادلة، أي: متصلة؛ بمعنى: أي الأمرين كائن على سبيل التقرير لحصول العلم بكون أحدهما. ويجوز أن تكون منقطعة، انظر ما ذكرته في الآية رقم [٦] لشرح المتصلة، والمنقطعة.

الإعراب: ({قالُوا}): فعل، وفاعل، والألف للتفريق، والجملة الفعلية مع مقولها مستأنفة، وهو أولى من العطف على الآية قبلها. {لَنْ:} حرف نفي، ونصب، واستقبال.

<<  <  ج: ص:  >  >>