للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك العذاب مستحق بسبب كونهم... إلخ، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {بِالْحَقِّ} متعلقان بمحذوف حال من: {الْكِتابَ} وهو أولى من تعليقهما بالفعل قبلهما.

{وَإِنَّ:} الواو: واو الحال. ({إِنَّ}): حرف مشبه بالفعل و {الَّذِينَ:} اسمها، والجملة الفعلية صلته لا محل لها. {لَفِي:} اللام: هي المزحلقة، (في {شِقاقٍ}): متعلّقان بمحذوف خبر (إنّ).

{بَعِيدٍ:} صفة شقاق، والجملة الاسمية في محل نصب حال من: {الْكِتابَ،} والرابط:

الواو، وإعادة الكتاب بلفظه للتعظيم، والتنويه بشأنه، ورفعة قدره.

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَاِبْنَ السَّبِيلِ وَالسّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)}

الشرح: من هنا بداية النصف الثاني من السّورة الكريمة على وجه التّقريب، ونصف السّورة السّابق كان متعلقا بأصول الدّين، وبقبائح اليهود، ومساوئهم، وهذا النصف غالبه متعلق بأحكام الإسلام الفرعية تفصيلا: من صيام، وحج، وطلاق، وعدة، كما ستراه مفصلا؛ إن شاء الله تعالى، ووجه المناسبة: أنه تعالى ذكر في الآيات السابقة: أنّ أهل الكتاب اختلفوا في دينهم اختلافا كبيرا صاروا بسببه في شقاق بعيد، ومن أسباب شقاقهم أمر القبلة؛ إذ أكثروا الخوض فيه، وأنكروا على المسلمين التحوّل إلى استقبال الكعبة، وادّعى كلّ من الفريقين: اليهود، والنصارى:

أن الهدى مقصود على قبلته، فردّ الله عليهم، وبيّن: أنّ العبادة الحسنة، وعمل البر ليس بتوجّه الإنسان جهة المشرق، والمغرب، ولكن بطاعة الله، وامتثال أوامره، وبالإيمان الصّادق الرّاسخ.

هذا؛ والآية الكريمة، كما ترى جامعة للكمالات الإنسانية بأسرها، دالة عليها صريحا، أو ضمنا، فإنّها بكثرتها، وتشعّبها منحصرة في ثلاثة أشياء: صحّة الاعتقاد، وحسن المعاشرة، وتهذيب النفس، ولذلك وصف المستجمع لها بالصّدق نظرا إلى إيمانه، واعتقاده، وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق، ومعاملته مع الحقّ، وإليه أشار النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «من عمل بهذه الآية؛ فقد استكمل الإيمان». وإليك التفصيل:

{لَيْسَ الْبِرَّ} البر: كلمة جامعة لخصال الخير الدنيوية، والأخروية من قول، أو عمل، أو اعتقاد، وهو بكسر الباء، وهو بضم الباء: القمح، ونحوه ممّا يقتات، ويؤكل، وهو بفتحها:

البار بوالديه، وبأرحامه، وهو أيضا اسم من أسماء الله الحسنى، وهو أيضا: الأرض الفلاة،

<<  <  ج: ص:  >  >>