جواب شرط غير جازم مقدر ب «إذا»، وفي الكلام حذف؛ إذ التقدير: فاذكروا آلاء الله، واعملوا عملا يليق بذلك، وهو أن تؤمنوا به، وتتركوا ما أنتم عليه من عبادة الأصنام؛ لكي تفوزوا بالفلاح في الآخرة. وانظر إعراب مثل:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} في الآية رقم [٦٢].
الشرح:{قالُوا:} قال قوم هود له. وانظر «القول» في الآية رقم [٥]. {أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ:} المراد بالمجيء هاهنا أحد أمرين: إما المجيء من مكان اعتزل فيه عن قومه يتحنث فيه كما كان يفعل نبينا صلّى الله عليه وسلّم بغار حراء قبل المبعث. وإما من السماء على التهكّم والاستهزاء، أو القصد على المجاز، كقولهم:«ذهب يسبني» وانظر (جاء) في الآية رقم [٤] والعبادة في الآية رقم [٥٩]. {وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا:} فهذا استبعاد منهم اختصاص الله بالعبادة، وكيف يتركون ما ألفوا عليه آباءهم من الشرك انهماكا منهم في التقليد لما ألفوه. {فَأْتِنا بِما تَعِدُنا:}
من العذاب المدلول عليه بقوله:{أَفَلا تَتَّقُونَ} انظر (أتى) في الآية رقم [٣٥]. {تَعِدُنا:} انظر إعلال: {تَجِدُ} في الآية رقم [١٧]. وانظر الوعد في الآية رقم [٤٣]. {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ:}
فيما تتوعدنا وتتهددنا. وانظر إعلال:{قُلْنا} في الآية رقم [١٠].
بعد هذا أقول: إن (نذر) مضارع يأتي منه أمر، ولم يأت منه ماض، فهو ناقص التصرف، ومثله: يدع، دع، ويعم، عم. وإلى الآن لم أتكلم على هذه الأفعال الثلاثة، والأولان بمعنى الترك، والثالث بمعنى التحية، والسّلام، وهنا أتكلم عن ذلك بعونه تعالى، فأقول: قد قيل: قد سمع سماعا نادرا الماضي من الأولين. فقالوا: ودع، ووذر، بوزن: وضع إلا أن ذلك شاذ في الاستعمال؛ لأن العرب كلهم إلا قليلا منهم أميت هذا الماضي من لغاتهم، وليس المعنى: أنهم لم يتكلموا به البتة، بل تكلموا به دهرا طويلا، ثم أماتوه بإهمالهم استعماله، فلما جمع العلماء، ما وصل إليهم من لغات العرب؛ وجدوه مماتا إلا ما سمع منه سماعا نادرا.
قال قطة العدوي: قال بعض المتقدمين: زعم النحاة: أن العرب أماتت ماضي (يدع) ومصدره، واسم مفعوله، واسم فاعله، مع أنه قد قرأ عروة بن الزبير، وابنه هشام قوله تعالى {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} بتخفيف الدال بمعنى: ما تركك، وكذا قرأ مقاتل، وابن أبي عبلة، وقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «شرّ النّاس من ودعه الناس اتقاء شرّه». وقال أيضا عليه الصلاة والسّلام:«دعوا الحبشة ما ودعوكم». وقال الشاعر:[المنسرح]
وكأنّ ما قدّموا لأنفسهم... أعظم نفعا من الّذي ودعوا