للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزمخشري-رحمه الله تعالى-: فإن قلت: قوله: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} وما سرد من الأوصاف عقيبه، إن كان من قولهم، فما تصنع بقوله: {فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ} وإن كان من قول الله؛ فما وجهه؟ قلت: هو من قول الله، لا من قولهم، ومعنى قوله: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ:} الذي من صفته كيت وكيت؛ لينسبن خلقها إلى الذي هذه أوصافه، وليسندنه إليه. انتهى. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

الإعراب: {الَّذِي:} اسم موصول مبني على السكون في محل جر بدلا من الاسم الكريم قبله، أو هو في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف، التقدير: هو الذي، أو هو في محل نصب مفعول به لفعل محذوف، التقدير: أعني، أو أمدح، ونحوهما. وعليهما يوقف على: {الْعَلِيمُ}. وعلى الأول لا يوقف. {جَعَلَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى: {الَّذِي} وهو العائد. {لَكُمُ:}

جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {الْأَرْضَ:} مفعول به أول. {مَهْداً:} مفعول به ثان على اعتبار الفعل من أفعال التصيير، وحال على اعتباره بمعنى: «خلق». والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محلّ لها، والتي بعدها معطوفة عليها. {فِيها:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من:

{سُبُلاً:} كان صفة له على مثال ما رأيت في الآية رقم [٤]. {سُبُلاً:} مفعول به. {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ:} الجملة الاسمية تعليل للجعل، وانظر إعراب مثلها في الآية رقم [٣].

{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١)}

الشرح: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ} أي: بمقدار ينفع، ولا يضر. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أي: لا كالذي أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أهلكهم، بل هو بقدر، لا طوفان مغرق، ولا قاصر عن الحاجة حتى يكون معاشا لكم، ولأنعامكم. قال تعالى في سورة (الحجر) رقم [٢١]: {وَما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}. {فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً} أي: أحيينا بالماء أرضا ميتة لا نبات فيها، كما قال تعالى في سورة (الحج): {وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} رقم [٥]. {كَذلِكَ تُخْرَجُونَ} أي: من قبوركم بعد دفنكم فيها. والمعنى: أنّ هذا الكلام كما دلّ على قدرة الله، وحكمته، ووحدانيته فكذلك يدلّ على قدرته على الحشر، والنشر للحساب، والجزاء يوم القيامة، ووجه التشبيه: أن جعلهم أحياء بعد الإماتة، كهذه الأرض التي انتشرت بعد ما كانت ميتة. وكذلك شبه الأرض قبل نزول المطر بالإنسان الميت، ثم أنشرها الله؛ أي: أحياها بالمطر. ففيه استعارة تبعية.

هذا؛ وفي الآية التفات من الغيبة إلى التكلم، وهو ظاهر، وواضح، وللالتفات فوائد كثيرة: منها: تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضّجر، والملال. لما جعلت عليه النفوس من

<<  <  ج: ص:  >  >>