الآية رقم [٨٣]. {وَما:} الواو: واو الحال. ({ما}): نافية. {كانَ:} فعل ماض ناقص، واسمه يعود إلى:{إِبْراهِيمَ}. {مِنَ الْمُشْرِكِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر: {كانَ} والجملة الفعلية في محل نصب حال من: {إِبْراهِيمَ} والرابط: الواو، والضمير، وهي حال متعدّدة، ومؤكّدة لما قبلها.
الشرح:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ..}. إلخ سبب نزول الآية: أن اليهود قالوا للمسلمين: بيت المقدس قبلتنا، وهو أفضل من الكعبة، وأقدم، وهو مهاجر الأنبياء، وقبلتهم، وأرض المحشر. فقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله الآية. {وُضِعَ لِلنّاسِ} أي: جعله الله موضعا للطّاعات، والعبادات، وقبلة للصلاة، وموضعا للحجّ، وللطواف، تزداد فيه الخيرات، وثواب الطاعات، والنّاس فيه سواء، كما قال تعالى في سورة (الحجّ): {جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ}.
وقوله {لَلَّذِي} أي: للبيت الّذي ببكة، وفي حذف الموصوف من التفخيم، والتعظيم ما لا يخفى.
{بِبَكَّةَ} قيل: هي مكة نفسها، والعرب تعاقب بين الباء، والميم، مثل: ضربة لازب، ولازم. وقيل:(بكة) اسم لموضع البيت، و (مكة) اسم للبلد، وقال: محمد بن شهاب: (بكة):
المسجد، ومكة: الحرم كلّه تدخل فيه البيوت. هذا، وقد ذكروا لمكّة أسماء كثيرة: مكّة، وبكّة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، وأمّ القرى، والنّاءوس؛ لأنّها تطهّر من الذنوب، والمقدّسة، والحاطمة، والرأس، والبلدة، والبنيّة، والكعبة. هذا؛ وقيل:(بكّة) مشتقة من البك، وهو الازدحام، وسمّيت (بكة) لازدحام الناس في موضع طوافهم. وقيل: سميت بذلك؛ لأنّها كانت تدق رقاب الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم. والبكّ: دق العنق. قال عبد الله ابن الزّبير-رضي الله عنه-: لم يقصدها جبّار بسوء؛ إلا وقصمه الله، عزّ، وجل. وأمّا مكّة؛ فقيل: إنها سميت بذلك؛ لأنّها تمكّ المخّ من العظم ممّا ينال قاصدها من المشقة.
واختلف العلماء في كون البيت أوّل بيت وضع الناس على قولين: أحدهما: أنّه أوّل في الوضع، والبناء. قال مجاهد-رحمه الله تعالى-: خلق الله هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرضين. وهذا قول ابن عمر، ومجاهد، وقتادة، والسّدي. وعن عليّ بن الحسين بن عليّ -رضي الله عنهم-: أنّ الله تعالى وضع تحت العرش بيتا، وهو البيت المعمور، وأمر الملائكة أن يطوفوا به، ثمّ أمر الملائكة الذين في الأرض أن يبنوا بيتا في الأرض على مثاله، وقدره، فبنوا هذا البيت، واسمه الضراح، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به، كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور. انظر شرح (البيت المعمور) في سورة (الطور). وروي: أن الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام، وكانوا يحجّونه، فلمّا حجّه آدم؛ قالت الملائكة: برّ حجّك يا آدم! لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام. هذا؛ و (البيت) اسم غالب للكعبة، كالنّجم للثريّا.