للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: أنّ المراد من الأوليّة كون هذا البيت أوّل بيت، وضع للنّاس مباركا. ويدلّ عليه سياق الآية. وسئل عليّ-رضي الله عنه-: أهو أول بيت وضع في الأرض؟ قال: لا، قد كان قبله بيوت كثيرة، ولكنّه أول بيت وضع للناس مباركا، وهدى، وفيه مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا.

عن أبي ذرّ-رضي الله عنه-قال: قلت: يا رسول الله! أيّ مسجد وضع أوّل؟ قال:

«المسجد الحرام». قلت ثم: أيّ؟ قال: «المسجد الأقصى». قلت: كم بينهما؟ قال: «أربعون سنة». قلت: ثمّ أيّ؟ قال: «حيث أدركتك الصّلاة فصلّ، فكلّها مسجد». رواه الإمام أحمد، وأخرجه الشيخان بنحوه، وعن ابن عمر-رضي الله عنهما-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاّ المسجد الحرام». متفق عليه.

وعن أبي الدّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الصّلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصّلاة بمسجدي هذا بألف صلاة، والصّلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة». الطّبراني.

هذا؛ و (الأول) هو الفرد السّابق المتقدّم على ما سواه. وقيل: هو اسم للشيء الذي يوجد ابتداء، سواء حصل عقبه شيء آخر، أو لم يحصل، وفيه مسائل: الأولى: أنّ أصله: أوأل بوزن أفعل، قلبت الثانية واوا، ثم أدغمت بما قبلها، فصار: أوّل، بدليل قولهم في الجمع:

أوائل. وقيل: أصله: ووّل بوزن فوعل، قلبت الأولى همزة، وإنّما لم يجمع على وأوائل لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع.

الثانية: الصحيح: أنّ أوّل لا يستلزم ثانيا، وإنّما معناه: ابتداء الشيء، ثم قد يكون له ثان، وقد لا يكون، تقول: هذا أوّل مال اكتسبته، وقد تكتسب بعده شيئا، وقد لا تكتسب. وقيل: إنّه يستلزم ثانيا، كما أنّ الآخر يقتضي أوّلا، فلو قال: إن كان أول ولد تلدينه ذكرا؛ فأنت طالق، فولدت ذكرا، ولم تلد غيره وقع الطّلاق على الأول، دون الثاني.

الثالثة: ل‍ (أول) استعمالان: أحدهما: أنه يكون صفة؛ أي: أفعل تفضيل بمعنى: الأسبق، فيعطى هذا حكم أفعل التفضيل، من منع الصرف، وعدم تأنيثه بالتاء، ودخول من عليه، نحو هذا أول هذين، ولقيته عاما أوّل. والثاني: أنه يكون اسما مصروفا، نحو لقيته عاما أوّلا، ومنه قولهم: ماله أوّل، ولا آخر.

قال أبو حيان-رحمه الله تعالى-: في محفوظي: أنّ (أوّل) يؤنث بالتاء، ويصرف أيضا، فيقال: أولة، وآخرة بالتنوين. انتهى همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسّيوطي، رحمه الله تعالى.

الإعراب: {إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {أَوَّلَ:} اسمها، وهو مضاف، و {بَيْتٍ} مضاف إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>