للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨) سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠)}

الشرح: {وَجَعَلُوا} أي: كفار قريش، والعرب. {بَيْنَهُ} أي: بين الله. {وَبَيْنَ الْجِنَّةِ} أي:

الملائكة، سمّوا جنة لاجتنانهم، أي: لاختفائهم عن الأبصار. {نَسَباً} أي: مصاهرة، وقرابة؛ حيث قالوا: إنه نكح من الجن، فولدت له الملائكة! {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} أي: الملائكة. {إِنَّهُمْ} أي: المشركين. {لَمُحْضَرُونَ} أي: في العذاب يوم القيامة، لا يمنعهم مانع من عذاب الله.

{سُبْحانَ اللهِ عَمّا يَصِفُونَ:} تنزه الله، وتقدس، وتعالى عما يصفه به المشركون من اتخاذ الولد من الملائكة، أو غيرهم، فهو أجل، وأعظم. هذا؛ ولا تنس الالتفات من الخطاب في الآية السابقة إلى الغيبة في هذه الآيات.

هذا؛ والجنة بكسر الجيم: الملائكة، وهي أيضا الجنّ، قال تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ،} وقال تعالى:

{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ} من سورة (هود) رقم [١١٩]، ومن سورة (السجدة) رقم [١٣] وعلى هذا فهما جنس واحد، ولكن من خبث من الجن، ومرد، وكان شرّا كله؛ فهو شيطان، ومن طهر منهم، ونسك، وكان خيرا كله، فهو ملك، فذكرهم الله في هذا الموضع باسم جنسهم، وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعا منهم، وتقصيرا بهم، وإن كانوا معظمين في أنفسهم أن يبلغوا منزلة المناسبة؛ التي أضافوها إليهم، انتهى. كشاف. وهذا مردود قطعا؛ لأن الملائكة مخلوقون من نور، والجن مخلوقون من نار، وشتان ما بين المادتين، وما قاله الزمخشري يقال في مؤمني الجن وكافريهم، فمن طهر منهم؛ فهو مؤمن، وكان خيرا كله، ومن خبث منهم؛ فهو شيطان، وكان شرّا كله، ولكن تبقى التسمية جائزة على الملائكة، والجن؛ لعدم رؤيتنا لهم بسبب اجتنانهم، أي: اختفائهم عن الأبصار. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٤٣] من سورة (الأحزاب)؛ إن أردت الزيادة، تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

هذا؛ وجنة بكسر الجيم أيضا: الجنون، أي: ذهاب العقل، قال تعالى في سورة (الأعراف)، رقم [١٨٤]: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ،} وقال في سورة (المؤمنون) رقم [٧٠]: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ..}. إلخ. والجنة بفتح الجيم: البستان والحديقة، وأيضا: جنة عدن التي وعد الله عباده المؤمنين، وسميت بذلك لكثرة أشجارها التي تجن، أي: تستر، وتخفي من يدخل فيها. وجنّة بضم الجيم: وقاية وحفظ من الشر، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم من وصيته لمعاذ بن جبل-رضي الله عنه-: «والصيام جنّة». وقال تعالى في الآية رقم [١٦] من سورة (المجادلة)، والآية رقم [٢] من سورة (المنافقون): {اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ} ومن

<<  <  ج: ص:  >  >>