للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضمرة بعد {حَتّى} والفعل (زار) في تأويل مصدر في محل جر ب‍: {حَتّى،} والجار، والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. هذا؛ وقال الجمل: {حَتّى زُرْتُمُ} عطف على قوله: {أَلْهاكُمُ} وهو غاية في نفسه. أقول: والمعنى لا يؤيده؛ لأن معنى {حَتّى} هنا بمعنى إلى أن زرتم.

{كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)}

الشرح: {كَلاّ:} اعتبر الجلال {كَلاّ} الثالثة بمعنى: حقا والأوليين للردع، والزجر، وجرى غيره على التسوية بين الثلاثة، وفي القرطبي: وقيل: إن {كَلاّ} في المواضع الثلاثة بمعنى: ألا. قاله ابن أبي حاتم. وقال الفراء: هي بمعنى: حقا في المواضع الثلاثة. وقيل: هي للردع، والزجر في المواضع الثلاثة. انتهى. جمل. وانظر ما ذكرته بشأن {كَلاّ} في سورة (المدثر) برقم [١٦]. وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: ردع، وتنبيه على أن العاقل ينبغي له أن لا يكون جميع همه، وعظم سعيه للدنيا، فإن عاقبة ذلك وبال، وحسرة.

{سَوْفَ تَعْلَمُونَ:} خطأ رأيكم، إذا عاينتم ما وراءكم، وهو إنذار ليخافوا، ويتنبهوا من غفلتهم. {ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ:} تكرير للتأكيد، وفي {ثُمَّ} دلالة على أن الثاني أبلغ من الأول. أو الأول عند الموت، أو في القبر، والثاني عند النشور. انتهى. بيضاوي. وانظر مثل هذا التوكيد في سورة (القلم) رقم [٥] وفي أول سورة (النبأ).

وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما ينزل بكم من العذاب في القبر.

{ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} في الآخرة إذا حل بكم العذاب. فالأول في القبر، والثاني في الآخرة، فالتكرار للحالتين. وروى زرّ بن حبيش عن علي-رضي الله عنه-قال: كنا نشك في عذاب القبر؛ حتى نزلت هذه السورة فأشار إلى أن قوله تعالى: {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} يعني في القبور. وقيل {كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إذا نزل بكم الموت، وجاءتكم رسلي لنزع أرواحكم. {ثُمَّ كَلاّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إذا دخلتم قبوركم، وجاءكم منكر ونكير، وحاط بكم هول السؤال، وانقطع عنكم الجواب.

قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: فتضمنت السورة القول في عذاب القبر، وأن الإيمان به واجب، والتصديق به لازم، حسب ما أخبر به الصادق، وأن الله يحيي العبد المكلف في قبره، يرد الحياة إليه، ويجعل له من العقل في مثل الوصف؛ الذي عاش عليه، ليعقل ما يسأل عنه، وما يجيب به، ويفهم ما أتاه من ربه، وما أعدّ له في قبره من كرامة، أو هوان. وهذا هو مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أهل الملة. هذا؛ وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٢٧] من سورة (إبراهيم) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، تجد ما يسرك. وانظر شرح {ثُمَّ} في الآية رقم [٣١] من سورة (الحاقة). والفعل {تَعْلَمُونَ} من المعرفة، لا من العلم، انظر الآية رقم [٩] من سورة (العاديات) هذا؛ و {سَوْفَ} في حق الله تعالى تفيد التوكيد، والتحقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>