وقال مرّة الهمداني: الزمهرير: البرد القاطع. وقال مقاتل بن حيان: هو شيء مثل رؤوس الإبر، ينزل من السماء في غاية البرد. وقال ابن مسعود-رضي الله عنه-: هو لون من العذاب، وهو البرد الشديد، حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم بالنار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوما واحدا. قال أبو النجم العجلي: [الرجز]
أو كنت ريحا كنت زمهريرا
هذا؛ ولعلك تدرك معي: أن العقول كانت تستبعد، بل وتستنكر وجود الحر، والبرد في نار جهنم، ولكن في هذه الأيام تسلم العقول السليمة، والفطر المستقيمة بذلك، وذلك بعد التأمل في الكهرباء التي يصدر عنها الحر، والبرد، وهذا مشاهد، ومرئي لا خفاء فيه، ولا تنس استنكار كفار قريش لوجود شجرة الزقوم في النار، وقد بينه في كثير من الآيات. هذا؛ وقال ثعلب: الزمهرير القمر بالغة طيّئ. قال شاعرهم: [الرجز]
وليلة ظلامها قد اعتكر... قطعتها والزمهرير ما زهر
أي: لم يطلع القمر. فالمعنى لا يرون فيها شمسا كشمس الدنيا، ولا قمرا كقمر الدنيا؛ أي: إنهم في ضياء مستديم، لا ليل فيه، ولا نهار؛ لأن ضوء النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر، انظر ما ذكرته في سورة (مريم) رقم [٦٢] بعد هذا القول: المعتمد الأول، وهو وجود الزمهرير في نار جهنم، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب: {مُتَّكِئِينَ:} حال من الضمير المنصوب، وقال الجلال: حال من مرفوع «ادخلوها» المقدر، وأجاز أبو البقاء، والزمخشري اعتباره صفة ل: {جَنَّةً} ومنعه مكي لعدم الضمير الرابط، وأجيب بتقدير: متكئين هم فيها؛ لجريان الصفة على غير من هي له، وفاعله ضمير مستتر فيه.
{فِيها:} جار ومجرور متعلقان ب: {مُتَّكِئِينَ}. {عَلَى الْأَرائِكِ:} متعلقان بمحذوف حال من الضمير المستتر ب: {مُتَّكِئِينَ}. وقيل: العكس بتعليقهما، وإن علقتهما جميعا ب: {مُتَّكِئِينَ} فلست مفندا.
{لا:} نافية. {يَرَوْنَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعله. {فِيها:}
جار ومجرور متعلقان بما قبلهما. {شَمْساً:} مفعول به. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا):
نافية. {زَمْهَرِيراً:} معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير المستتر في {مُتَّكِئِينَ} فتكون حالا متداخلة، أو هي حال متكررة، كما أجيز اعتبارها صفة {جَنَّةً}.
{وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤)}
الشرح: {وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها} أي: ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار، فهي مظلّة عليهم زيادة في نعيمهم، وإن كان لا شمس، ولا قمر ثمّ، كما أن أمشاطهم الذهب، والفضة، وإن كان