الشرح:{إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ} أي: عتا، وجاوز حده؛ حتى علا على كل شيء، وارتفع فوقه، وذلك في زمن نوح على حبيبنا، وشفيعنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، وانظر الطغيان في الآية رقم [٥] وفي ذلك استعارة لطيفة؛ لأن الطغيان، وتجاوز الحد من صفات الإنسان، فشبه ارتفاع الماء، وكثرته بطغيان الإنسان على الإنسان بطريق الاستعارة التصريحية بالفعل. {حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ:} في السفينة التي صنعها نوح. والمعنى: حملنا آباءكم، وأنتم في أصلابهم، فهو من مخاطبة الأبناء، بما حصل للآباء، وهذا كثير في القرآن، ولا سيما مع اليهود الذين عاصروا النبي صلّى الله عليه وسلّم، مثل قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [٥٥]: {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً..}. إلخ، ورقم [٦١]: {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ..}. إلخ. ورقم [٧٢] منها أيضا: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً..}. إلخ. {لِنَجْعَلَها لَكُمْ} أي: نجعل تلك الفعلة التي فعلناها من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه. {لَكُمْ تَذْكِرَةً} أي: جعل الله سفينة نوح تذكرة، وعظة لهذه الأمة؛ حتى أدركها أوائلهم. قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي في الموصل من أرض العراق، وذكر: أن ناسا وقفوا على جبل الجودي، فشاهدوا بقايا خشبات من تلك السفينة.
فيكون المعنى: أبقيت لكم تلك الخشبات؛ حتى تذكروا ما حل بقوم نوح، وإنجاء الله آباءكم، وكم من سفينة هلكت، وصارت ترابا، ولم يبق منها شيء. وقيل: المعنى لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح، وإنجاء من آمن معه موعظة لكم، ولهذا قال تعالى:{وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ} أي:
تحفظها، وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله، والسفينة لا توصف بهذا. روى مكحول:
أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عند نزول هذه الآية:«سألت ربي أن يجعلها أذن علي». قال مكحول: فكان علي-رضي الله عنه-يقول: ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا قط، فنسيته؛ إلا وحفظته. ذكره الماوردي. انتهى. قرطبي.
الإعراب:{إِنّا:}(إنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت الألف دليلا عليها. {لَمّا:} حرف وجود لوجود عند سيبويه. وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب.
وهي عند ابن السراج، والفارسي، وابن جني، وجماعة: ظرف زمان بمعنى: «حين» تتطلب جملتين مرتبطتين ببعضهما ارتباط فعل الشرط بجوابه، وصوب ابن هشام الأول، والمشهور الثاني. {طَغَى:} فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر. {الْماءُ:} فاعله، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية على اعتبار {لَمّا} حرفا، وفي محل جر بإضافة {لَمّا} إليها على اعتبارها ظرفا. {حَمَلْناكُمْ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية جواب {لَمّا،} لا محل لها. {فِي الْجارِيَةِ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما، و {لَمّا} ومدخولها في محل رفع خبر