للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكانت صدورهم تضيق لذلك، وربما استنكر أن يمكن الله الكفار من المؤمنين. قال مجاهد وغيره: نزلت هذه الآية مسلّية، ومعلمة: أن هذه هي سيرة الله في عباده اختبارا للمؤمنين، وفتنة.

قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نزلت بهذا السبب، أو ما في معناه من الأقوال؛ فهي باقية في أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم، موجود حكمها بقية الدهر. قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: ما أحسن ما قاله! ولقد صدق فيما قال-رضي الله عنه-. انتهى.

وقيل: نزلت هذه الآية في أناس كانوا بمكة قد أقروا بالإسلام، فكتاب إليهم أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام؛ حتى تهاجروا، فخرجوا عامدين إلى المدينة، فتبعهم المشركون، وقاتلوهم فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله هاتين الآيتين.

الإعراب: {أَحَسِبَ:} الهمزة: حرف استفهام، وتقرير، وتوبيخ. (حسب): فعل ماض.

{النّاسُ:} فاعله. {أَنْ:} حرف مصدري، ونصب. {يُتْرَكُوا:} فعل مضارع مبني للمجهول منصوب ب‍: {أَنْ،} وعلامة نصبه حذف النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو نائب فاعله، والألف للتفريق، و {أَنْ} والفعل المضارع في تأويل مصدر في محل نصب سدّ مسد مفعولي:

(حسب)، والمصدر المؤول من: {أَنْ يَقُولُوا} في محل جر بحرف جر محذوف، التقدير: بأن يقولوا. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من واو الجماعة، كما تقول: خرج زيد بثيابه، وقيل: هو على تقدير لام التعليل؛ أي: لأن يقولوا، والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، وقيل: المصدر المؤول من {أَنْ يَقُولُوا} بدل مما قبله، وقيل: هو على التكرير؛ أي: تقدير:

أحسبوا أن يقولوا... إلخ. {آمَنّا:} فعل، وفاعل، والمتعلق محذوف، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول. {وَهُمْ:} الواو: واو الحال. (هم): ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {لا:} نافية. {يُفْتَنُونَ:} فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع... إلخ، والواو نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {(هُمْ لا يُفْتَنُونَ)} في محل نصب حال من واو الجماعة، والرابط: الواو، والضمير.

{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (٣)}

الشرح: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: ابتلينا الماضين بأنواع البلاء، كالخليل-عليه السّلام-ألقي في النار، ومنهم من يوضع المنشار على رأسه، فيشقه نصفين، فما يصرفه ذلك عن دينه، ومنهم من يمشط بأمشاط الحديد ما يصرفه ذلك أيضا عن دينه، ومنهم من أحرق بالنار كأصحاب الأخدود، والأمثلة على هذا كثيرة.

روى البخاري عن خبّاب بن الأرتّ-رضي الله عنه-قال: شكونا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وهو متوسّد بردة له في ظلّ الكعبة، فقلنا له: ألا تستنصر لنا؟! ألا تدعو لنا؟! فقال: «قد كان من

<<  <  ج: ص:  >  >>