للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، والجملة الفعلية مبتدأة لا محل لها من الإعراب، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها مع ملاحظة: أنه لا يجوز اعتبار (لا) صلة؛ لأنه يختل المعنى عن ذلك. {اللَّوّامَةِ:} صفة النفس.

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤)}

الشرح: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ} أيظن الإنسان. وحسب، يحسب من باب: تعب في لغة جميع العرب إلا بني كنانة، فإنهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضا على غير قياس. وقد قرئ المضارع بفتح السين، وكسرها. والمصدر: الحسبان بكسر الحاء، وحسبت المال حسبا من باب: قتل بمعنى: أحصيته عددا. هذا؛ والحسبان: قوة أحد النقيضين على الآخر، كالظن بخلاف الشك، فهو الوقوف بينهما. أما العلم؛ فهو القطع على أحدهما. والحسبان، والظن يتعلقان بمضامين الجمل، للدلالة على جهة ثبوتها، ولذلك اقتضى كل واحد منهما مفعولين متلازمين، أصلهما مبتدأ وخبر، أو ما يسد مسدهما. وانظر شرح {الْإِنْسانُ} في الآية رقم [١٩] من سورة (المعارج). {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ} أي: نعيدها خلقا جديدا بعد أن صارت رفاتا، ورميما مختلطة التراب، وبعدما نسفتها الرياح، فطيرتها في أباعد.

نزلت هذه الآية في عدي بن ربيعة حليف بني زهرة، وهو ختن الأخنس بن شريق الثقفي، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقول: «اللهم اكفني جاري السوء: عدي بن ربيعة، والأخنس بن شريق».

وذلك أن عديا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمد! حدثني متى تكون القيامة؟ وكيف أمرها، وحالها؟ فأخبره النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال عدي: لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك، ولم أؤمن بك، أو يجمع الله العظام؟! فأنزل الله عز وجل: {أَيَحْسَبُ..}. إلخ. بعد هذا أقول: إن ما تعنت به عدي شبيه بما تعنت به أبيّ بن خلف الجمحي، كما رأيت في الآية رقم [٧٧] من سورة (يس).

{بَلى:} انظر الآية رقم [٩] من سورة (الملك). {بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ:} يعني: أنامله، فنجعل أصابع يديه، ورجليه شيئا واحدا كخف البعير، أو كحافر الحمار، فلا يقدر أن يرتفق بها بالقبض، والبسط، والأعمال اللطيفة، كالكتابة، والخياطة، وغيرهما. وقيل: المعنى أيظن الكافر أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفريقها، وتفتتها بعد الموت؟ بلى نقدر على جمع عظامه؛ حتى نعيد السلاميات على صغرها إلى أماكنها، ونؤلف بينها حتى تستوي البنان، فمن يقدر على جمع العظام الصغار؛ فهو على جمع كبارها أقدر، وهذا القول أقرب إلى الصواب.

هذا؛ والبنان جمع، أو اسم جمع ل‍: بنانة؟ قولان، والبنان عند العرب: الأصابع واحدها:

بنانة. قال النابغة الذبياني: [الكامل]

بمخضّب رخص كأنّ بنانه... عنم يكاد من اللطافة يعقد

وقال عنترة: [الوافر]

<<  <  ج: ص:  >  >>