السياق الإشارة إلى حالة الكافر يوم القيامة، وأنه يكون على أقبح صورة، وأبشعها، بعد أن كان على أحسن صورة وأبدعها. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٤] من سورة (غافر) تجد ما يسرك.
الإعراب: {لَقَدْ:} اللام: واقعة في جواب القسم. (قد): حرف تحقيق يقرب الماضي من الحال. {خَلَقْنَا:} فعل، وفاعل. {الْإِنْسانَ:} مفعول به، والجملة الفعلية جواب القسم، وما عطف عليه. {فِي أَحْسَنِ:} متعلقان بمحذوف حال من {الْإِنْسانَ،} و {أَحْسَنِ} مضاف، و {تَقْوِيمٍ} مضاف إليه، و {أَحْسَنِ} صفة لموصوف محذوف، التقدير: في تقويم أحسن تقويم. {ثُمَّ:}
حرف عطف. {رَدَدْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها. {أَسْفَلَ:} فيه وجهان: أحدهما: أنه حال من الضمير المنصوب. والثاني: أنه صفة لموصوف محذوف، التقدير: رددناه مكانا أسفل. وقيل: مفعول ثان لرد. و {أَسْفَلَ:}
مضاف، و {سافِلِينَ:} مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء... إلخ.
{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦)}
الشرح: {إِلاَّ الَّذِينَ..}. إلخ: فإنهم لا يردون إلى النار، أو إلى أسفل سافلين، وعلى القول الأول يكون الاستثناء منقطعا، والمعنى: ثم رددناه أسفل سافلين، فزال عقله، وانقطع عمله، فلا تكون له حسنة، لكن الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم، والضعف؛ فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملون في حالة الشباب، والصحة.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله عذرهم، وأخبرهم: أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم. فعلى هذا القول السبب خاص، وحكمه عام. وروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: إلا الذين قرؤوا القرآن.
وقال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر. وهذا ما أرجوه، وآمله من كرم الله مع التوفيق للعمل به من فضله، ومعونته تعالى. {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: غير مقطوع. مأخوذ من مننت الحبل: إذا قطعته، ومنه قول ذي الإصبع العدواني: [البسيط]
إني لعمرك ما بابي بذي غلق... على الصّديق ولا زادي بممنون
وعنه أيضا، ومقاتل: غير منقوص، ومنه: المنون. أي: الموت؛ لأنها تنقص منّة الإنسان؛ أي: قوته، وعمره. وقاله قطرب، وأنشد قول زهير من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان: [البسيط]
فضل الجياد على الخيل البطاء فلا... يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا
وقال مجاهد: {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير محسوب. وقيل: غير ممنوع عليهم به؛ أي: ممتن به عليهم. قال السدي: نزلت الآية في الزمنى، والمرضى، والهرمى؛ إذا ضعفوا عن الطاعة؛ كتب لهم من الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه، وخذ في تأييد ذلك ما يلي: