للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩)}

الشرح: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ} أي: لأجل ما فيه من الحساب، والجزاء. وسمي بذلك؛ لأن الله تعالى يجمع فيه بين الأولين والاخرين، من الإنس والجن، وجميع أهل السماء وأهل الأرض، وبين كل عبد وعمله، وبين الظالم والمظلوم، وبين كل نبي وأمته، وبين ثواب أهل الطاعة، وعقاب أهل المعصية. انتهى. جمل نقلا من الخطيب. قال تعالى في سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام رقم [١٠٣]: {ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ،} وقال تعالى في سورة (الواقعة): {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} وقال في سورة (الشورى) رقم [٧]: {وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ}.

{ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ} أي: يوم القيامة. قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: هو اسم من أسماء يوم القيامة، وذلك: أن أهل الجنة يغبنون أهل النار. وقال مقاتل بن حيان-رحمه الله تعالى-:

لا غبن أعظم من أن يدخل هؤلاء الجنة، ويذهب بأولئك إلى النار. هذا؛ وقال الزمخشري:

التغابن مستعار من تغابن القوم في التجارة. وهو أن يغبن بعضهم بعضا؛ لنزول السعداء منازل الأشقياء؛ التي كانوا ينزلونها؛ لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء؛ التي كانوا ينزلونها؛ لو كانوا أشقياء. انتهى.

وقال الخازن: وأصل الغبن في البيع والشراء. وقد ذكر الله في حق الكافرين: أنهم خسروا، وغبنوا في شرائهم، فقال تعالى: {اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ} رقم [١٧٥] من سورة (البقرة)، وقال في حق المؤمنين: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} رقم [١٠] من سورة (الصف)، وقال تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} رقم [١١١] من سورة (التوبة) وكله من باب الاستعارة، وخذ قول الشاعر: [الطويل] وما أرتجي بالعيش في دار فرقة... ألا إنّما الرّاحات يوم التّغابن

ورحم الله عبد الرحمن بن حسان-رضي الله عنهما-إذ يقول: [الوافر] ألا أبلغ معاوية بن حرب... أمير المؤمنين ثنا كلامي

بأنّا صابرون ومنظروكم... إلى يوم التّغابن والخصام

وقال البيضاوي-رحمه الله تعالى-: واللام فيه للدلالة على أن التغابن الحقيقي هو التغابن في أمور الاخرة لعظمها، ودوامها. وقال الحسن، وقتادة-رحمهما الله تعالى-: بلغنا: أن التغابن في ثلاثة أصناف: رجل علم علما فعلمه، وضيعه هو، ولم يعمل به، فشقي به، وعمل به

<<  <  ج: ص:  >  >>