من تعلمه منه، فنجا به. ورجل اكتسب مالا من وجوه يسأل عنها، وشح عليه، وفرّط في طاعة ربه بسببه، ولم يعمل فيه خيرا، وتركه لوارث لا حساب عليه فيه، فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه. ورجل كان له عبد، فعمل العبد بطاعة ربه فسعد، وعمل السيد بمعصية ربه، فشقي.
وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «إن الله تعالى يقيم الرّجل والمرأة يوم القيامة بين يديه، فيقول الله تعالى لهما: قولا! فما أنتما بقائلين؟ فيقول الرجل: يا ربّ أوجبت نفقتها عليّ، فتعسّفتها من حلال وحرام، وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك، ولم يبق لي ما أوفي به! فتقول المرأة: يا ربّ وما عسى أن أقول: اكتسبه حراما، وأكلته حلالا، وعصاك في مرضاتي ولم أرض له بذلك، فبعدا له، وسحقا. فيقول الله تعالى: قد صدقت، فيؤمر به إلى النار، ويؤمر بها الجنة، فتطلع عليه من طبقات الجنة، وتقول له: غبناك! غبناك! سعدنا بما شقيت أنت به! فذلك يوم التغابن». انتهى. قرطبي.
أقول: وهذا إن كانت صالحة لم تكلفه ما لا يطيق، وأما إن كانت فاسدة فمطالبها لا تنتهي، وتعيره بالفقر، وتذكر له دائما حال فلانة، وفلانة، وما هن عليه من الرفاهية، وما هي عليه من سوء الحال. وهذا حال نساء هذا الزمن، فإنها تدخل جهنم قبله، وتنطبق عليها الاية رقم [١٤].
{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً:} ما أعظم هذه المقابلة بين جزاء المؤمنين في هذه الاية، وجزاء الكافرين في الاية التالية! هذا؛ وفي عطف العمل الصالح على الإيمان في الاية الكريمة وغيرها إيحاء، بل تصريح بأن العمل قرين الإيمان، وقد لا يجدي الإيمان بلا عمل، وهو ما أفاده قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم:«الإيمان والعمل قرينان، لا يقبل الله أحدهما بدون صاحبه». كما أن الإيمان مشروط لقبول العمل الصالح، وهو كثير جدا في الايات القرآنية. وهذا يسمى في فن البديع احتراسا.
الإعراب:{يَوْمَ:} ظرف زمان متعلق بالفعل: {لَتُنَبَّؤُنَّ،} أو متعلق ب: {خَبِيرٌ،} أو هو متعلق ب: «اذكروا» محذوفا، أو هو مفعول به لهذا المحذوف.
{يَجْمَعُكُمْ:} فعل مضارع، والكاف مفعول به، والفاعل مستتر تقديره:«هو» يعود إلى الله، ويقرأ بنون المضارعة، وعليه فالفعل مستتر تقديره:«نحن»، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة (يوم) إليها. {لِيَوْمِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، و (يوم) مضاف، و {الْجَمْعِ:} مضاف إليه.
{ذلِكَ:} اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب لا محل له. {يَوْمَ:} خبره، و {يَوْمَ} مضاف، و {التَّغابُنِ:} مضاف إليه، والجملة الاسمية في محل نصب حال من (يوم الجمع) والرابط: اسم الإشارة فقط، وإن اعتبرتها مستأنفة؛ فلا محل لها.
{وَمَنْ:}(الواو): حرف استئناف. (من): اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {يُؤْمِنْ:} فعل مضارع فعل الشرط، والفاعل يعود إلى (من) تقديره: «هو».