للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيضا. {وَكانَ:} الواو: حرف استئناف. (كان): ماض ناقص. {وَعْدُ:} اسم كان، وهو مضاف، و {رَبِّي:} مضاف إليه... إلخ. {حَقًّا:} خبر (كان)، والجملة الفعلية مستأنفة، وهي من مقول ذي القرنين كسابقتها، أو هي في محل نصب حال من {رَبِّي،} والرابط الواو، وإعادة لفظ {رَبِّي} وكان حقه الإضمار، فأظهره للتعظيم، والتفخيم، وجملة: {قالَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.

{وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً (٩٩)}

الشرح: {وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ..}. إلخ: هذا من قول العلي القدير، فيقول: تركنا قوم يأجوج ومأجوج منحصرين وراء السد يختلط بعضهم ببعض كموج بحر يلطم بعضه بعضا. وقيل: هذا عند قيام الساعة يدخل بعضهم في بعض لكثرتهم، ويختلط إنسهم بجنّهم حيارى مدهوشين، ويؤيده قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} لقيام الساعة. وفيه دليل واضح على أنّ خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة. {فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً} أي: جميع المخلوقات من إنس، وجنّ، يجمعون في صعيد واحد للحساب، والجزاء يوم القيامة.

هذا؛ وفي قوله تعالى: يموج بعضهم... إلخ استعارة، فقد استعار الموج لهم، وهو عبارة عن حيرة الخلق، وتردد بعضهم في بعض كالمولهين لما يحيط بهم من هم، وخوف، ورعب، فشبههم بموج البحر الذي يضطرب، ويلطم بعضه بعضا. وانظر شرح: {يَوْمَئِذٍ} في الآية رقم [٨٧] من سورة (النحل).

أما {الصُّورِ} فهو قرن كهيئة البوق. قاله مجاهد، ويدل على صحته ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-قال: جاء أعرابي إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: ما الصّور؟ قال:

«قرن ينفخ فيه». أخرجه أبو داود والترمذي، وعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كيف أنتم؟ وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ؟!». وكأنّ ذلك ثقل على أصحابه، فقالوا: كيف نفعل يا رسول الله! وكيف نقول؟ فقال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا». وربما قال: «توكلنا على الله». أخرجه الترمذي.

وينبغي أن تعلم أن الذي ينفخ في الصور، إنما هو إسرافيل عليه السّلام، أحد الملائكة العشرة المقربين، وهو ينفخ نفختين بينهما أربعون عاما على الصحيح، الأولى لإماتة جميع المخلوقات، والثانية لإحيائهم، وبعثهم للحساب والجزاء، خذ قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ} بعد هذا اذكر: أن الزمخشري-رحمه الله تعالى-قال: إن كل ما فاؤه نون، وعينه فاء يدل على معنى الخروج، والذهاب، مثل: نفق، ونفد، ونفث، ونفش... إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>